ولا غرو فقد كان التكوين العلمي لحسن البنَّا تكوينًا متينًا راسخًا، وكان أوَّل رفقائه في مراحل دراسته المختلفة وفي دار العلوم، وكان قارئًا واعيًا للقديم والجديد، عالمًا بمذاهب العلماء السابقين من السلف والخلف، خبيرًا باتِّجاهات المُحْدَثِين والمعاصرين، وخصوصًا «مدرسة المنار» التجديديَّة، وكان البنَّا 5 أقرب إلى فكر السيِّد رشيد رضا في انضباطه من فكر الإمام مُحَمَّد عبده في انطلاقه.
ومن أراد أن يعرف مقدار «الأصالة العِلميَّة» لحسن البنَّا فلْيَقْرأ الأعدادَ الخمسة الَّتي أصدرها من مَجَلَّة «الشِّهَاب» الَّتي رأس تحريرها بنفسه، والَّتي أراد بها أن يسُدَّ ما لمسه من قصورٍ وتقصيرٍ لدى أتباعه وجنوده في المجال العلمي والفكري، وقد انشغل هو بتأليف الرجال عن تأليف الكتب.
كان حسن البنَّا يُحَرِّر جملة من الأبواب بقلمه في المَجَلَّة، فهو يكتب في «العقيدة» بدءًا بعقيدة الألوهيَّة «الله»، ويكتب في «التفسير» بدءًا بسورة الفاتحة، ويكتب في «علوم الحديث» بدءًا بالرواية والإسناد، ويكتب في أصول الإسلام كنظام اجتماعي، وقد بدأ بالكتابة عن «السلام في الإسلام»، ويكتب في «التاريخ»، وهو في جميعها أصيلٌ ومجيد.
ولهذا عُني العلماء والدعاة من أبناء الحركة الإسلاميَّة برسالة التعاليم، وبركن الفهم، أو الأصول العشرين، مجتهدين في شرحها وتفسيرها.
وأوَّل من حاول ذلك هو العالم الفاضل والواعظ المُرَبِّي، الشيخ عبد المنعم أحمد تعيلب، وقد شرح الرسالة كُلَّها شرحًا موجزًا سريعًا، وقد قام جدالٌ في ذلك الوقت «أوائل الخمسينيَّات» بين قُطْبَيْن من أقطاب الدعوة حول هذا الشرح، وهما الأستاذان: البهي الخولي، وعبد العزيز كامل، فقد كان الأوَّل يرى ألَّا يُعْطَى الحقُّ لكلِّ واحد في شرح تراث البنَّا والتعليق عليه، وإنَّما ينبغي أن يكون ذلك بتكليفٍ من الجماعة، وإلَّا فسَّرها كلُّ امرئٍ بما شاء، مع أنَّ رسائل البنَّا تُمَثِّل المنهاج الرسميَّ للإخوان المسلمين، فلا يجوز أن يُتَهَاون في أمرها داخل الجماعة، وكان رأي الثاني أن هذه الاتِّجاه يفرض ديكتاتوريَّة فكريَّة على الجماعة وعلمائها، ويُكَبِّل حركة الفكر فيها، ويعطي لبعض أبنائها سلطة بابويَّة على بعض.