وكم كنتُ مُعَلَّق القلب بذلك اليوم الَّذي أفرغ فيه من دراستي الثانويَّة بطنطا، وألتحق بجامعة الأزهر بالقاهرة، حيث تتاح لي فرصة اللقاء والملازمة والتتلمذ المباشر للإمام البنَّا، ولكن القدر كان يخبئ شيئًا ادَّخره للرجل الكبير، وهو الشهادة في سبيل الله.
وما كان أفجعه من نبأ، نزل علينا كوقع الصاعقة، حين قرأناه في الصحف، يوم ترحيلنا من سجن قسم أوَّل طنطا إلى معتقل «هايكستب»، ومنه إلى معتقل «الطور» في 13 فبراير 1949م نبأ اغتيال الشيخ البنَّا، هدية للملك فاروق في يوم عيد ميلاده!
وهكذا قدَّرْتُ شيئًا، وقدَّر الله شيئًا آخر، وحُرِمْتُ التتلمذ المباشر على إمام الدعوة، ولم يبقَ أمامي إلَّا التتلمذ على أفكاره المبثوثة في رسائله ومقالاته، وفي تلامذته وأصحابه الَّذين عايشوه وتلقَّوا عنه العلم والعمل، والفِكْر والسلوك.
والحقُّ أنِّي لم أُعْجَب بشخصيَّة حيَّة لقيتُها وتأثَّرت بها، كما أعجبت بشخصيَّة الشهيد حسن البنَّا، الَّذي آتاه الله من المواهب والمَلَكات ما تفرَّق في عدد من الشخصيَّات، فقد جمع بين العلم والتربية، ومزج بين الفكر والحركة، وربط بين الدِّين والسياسة، ووصل ما بين الرُّوحانيَّة والجهاد، وكان النموذج الحيَّ للرجل القرآني، والمُعَلِّم الربَّاني، والمجاهد الإسلامي، والداعية العصري، والمُنَظِّم الحركيِّ، والمناضل السياسيِّ، والمصلح الاجتماعيِّ.
ولم يكن هذا شأني وحدي، فإنَّ كلَّ من عرف حسن البنَّا أعجب به إعجابًا كبيرًا، وكلما زادت معرفته به بالاختلاط والمعاشرة ازداد إعجابًا به، وحبًّا له، كما لمستُ ذلك من كثيرين من شيوخ الدعوة وشبابها: البَهِيّ الخولي، ومُحَمَّد الغزالي، وسيِّد سابق، وعبد العزيز كامل، وفريد عبد الخالق، وعمر التلمساني، ومصطفى مشهور، وعباس السيسي، وغيرهم.