وكثيرًا ما يُعَبِّر الصوفيَّة عن «الإلهام» بـ «الكشف»؛ لأنَّه يكشف لهم عن أمور مُغَيَّبة عمَّا سواهم، فهي ظاهرة لديهم، خافية على غيرهم، وستأتي مناقشتهم.
وهذه التعريفات كلُّها تدور حول معنى أساسي، وهو أنَّ الإلهام: إلقاء معنًى أو فكرةٍ أو خبر أو حقيقة في النفس أو القلب أو الرُّوع ـ سمِّه ما شئتَ ـ بطريق الفَيْض، بمعنى أنْ يخلق الله فيه علمًا ضروريًّا لا يملك دَفْعه، أي: ليس بطريق التعلُّم والاكتساب المعهود، بل هو يُفاض على النفس فيضًا، بغير اختيارها ولا إرادتها، سواء سعت إليه سعيًا عن طريق الرياضة الرُّوحيَّة وتفريغ القلب من كلِّ شيء، كما سيأتي ذلك بعد في كلام الإمام الغزالي، أم أُفِيضَ ذلك عليها كرامةً من الله لها، وخرقًا للعوائد من أجلها، وإنْ لم تتعمَّد السعيَ إليه.
ومن شأن هذا العلم الضروري إذا أُلْقِيَ في القلب أنْ يُحَرِّك إلى العمل، ويبعث على الفعل أو التَّرْك، كما جاء في بعض التعريفات، فهو نتيجة وثمرة له.
والتعريفات الَّتي ذكرت أنَّ الإلهام نوعٌ من الوحي يقصد بها: أنَّه نوع من الوحي بمعناه اللُّغَوي، وهو الإعلام بخفاءٍ وسرعة، أو أنَّه نوعٌ من الوحي بالنسبة للأنبياء، فهو أحد طرق الوحي المُتَضَمَّنة في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِۦ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ عَلِىٌّ حَكِيمٌ ﴾ .
فقوله: ﴿ ﯿ ﰀ ﴾ يشمل ما كان عن طريق الإلهام والنَّفْث في الرُّوع في اليقظة، وما كان عن طريق الرؤيا المناميَّة، فرؤيا الأنبياء وحْيٌ.