وأنا أربأ بإخواني المَعنيِّين من أهل العلم والدَّعوة: أن يعتبروا هذه الكتب للإخوان وحدهم، فما قصدت إلى هذا ولا أردته، بل الواقع أنَّ حسن البنَّا قبل أن يكتب هذه الأصول للإخوان، كان قد تقدَّم بها لاتِّحاد الجمعيَّات الدِّينيَّة في مصر، الَّتي وقع بينها من الخلاف والتجافي والتنادي إلى حدِّ التراشق بتُهَم بالتفسيق والتكفير. فأراد بأصوله هذه أن تُمَثِّل الحدَّ الأدنى الَّذي يجب أن يلتقي عليه كلُّ من يعمل لنصرة الإسلام.
وفي هذه الأصول الأربعة الَّتي تحدَّثنا حولها هنا، تعرَّضنا لقضايا في غاية الأهميَّة والخطر:
(أ) مثل قضيَّة تراث السَّلَف وموقفنا منه، وكيف نقوِّمه بميزان الكتاب والسُّنَّة.
(ب) ومثل قضيَّة التَّمَذْهُب والتقليد بين المُوجِبِين له، حتَّى على أهل العلم، والمُحَرِّمين له حتَّى على العوامِّ والأُمِّيِّين من العرب والعجم!
(ج) ومثل قضيَّة الاختلاف الفقهي، وهل يؤدي إلى التفرُّق الدِّيني؟ وكيف نضبط هذا الاختلاف بالضوابط الشرعيَّة العِلْميَّة، بحيث نُؤسِّس ركائز لفقه الاختلاف، حتَّى يكون اختلافَ تنوُّعٍ وثراء، لا اختلافَ صراعٍ وتضادٍّ.
(د) مثل قضيَّة الجدل «البيزنطي» في فرعيَّات الدِّين الَّتي لا ينبني عليها عمل، والَّتي تأكل الأوقات، وتنشئ الحزازات، وتُفَرِّق الجماعات.
ومن النَّاس من تضيق صدورهم بأيِّ خلاف، مع أنَّ من الخلاف ما هو ضرورةٌ ورحمةٌ وتوسعةٌ للأُمَّة، وما يكون ثروةً حقوقيَّة وفِقْهيَّة لها، وما يُتيح لها فرصةً للانتقاء والترجيح.