ففي الأصل الأول من الأصلَيْن، ركَّز الأستاذ البنَّا على إبقاء الحقائق الشرعيَّة، الَّتي رضيها الشرعُ للنَّاس، ورسم لها حدودًا، وحدَّد لها ألفاظًا لها دلالتها ومفهومها، فلا يجوز فتح الباب واسعًا للنَّاس، ليتلاعبوا بها، ويُغَيِّروا ويُبَدِّلوا فيها حسَب أهوائهم، فإنَّ هذا يُضَلِّل النَّاس عن الحقيقة الشرعيَّة، وما وراءها من أحكامٍ تُحدِّد مواقف النَّاس والتزاماتهم.
لهذا كان من الواجب على أهل العلم والدعوة من أهل الاختصاص أن يحملوا المسؤوليَّة، ويعرفوا أهميَّة الحفاظ على المشروعات والموروثات، وحمايتها من عبث العابثين، وتقوُّلات المُفْترين، وتأويلات الكاذبين، وأن يدعوا إلى احترام هذه الألفاظ الشرعيَّة، والتأكُّد من حدود المعاني المقصودة بها، فلا نشطح بها يمينًا وشمالًا، حسَب أهوائنا وأمزجتنا، أو حسَب ثقافاتنا واتِّجاهاتنا، فهذا من أسباب الفتنة بين المؤمنين.
ولهذا حذَّر «البنَّا» ممَّا سمَّاه «الخداع اللفظي» في كُلِّ نواحي الدُّنْيا والدِّين، فإنَّما جعل الله اللُّغة لتنقل المعاني للنَّاس واضحة جليَّة، لا لتصبح ألفاظُها وجُملها وأساليبها «لُعْبة» في أيدي النَّاس، للتمويه بها على الخلق، ولتحريفها عمَّا وضع النَّاس، كما رأينا الباطنيَّة، وبعض المُغَرّرين والمُضَلّلين، الَّذين أعطوا لبعض الألفاظ معاني من عند أنفسهم، غيرَ المعاني الأصليَّة، وحمَّلوها هم من المعاني ما يريدون.
وبهذا بطلت مهمَّة اللغة وألفاظها، ما دام كلُّ إنسان قادرًا على أن يُحمِّل الألفاظ ما يريد هو، لا ما تحمله الألفاظ بحكم دلالتها الحقيقيَّة والمجازيَّة الَّتي تقوم عليها الأدلة.
وكذلك الأصل الثاني من أصْلَيْنا، وهو أنّ: «العقيدة أساس العمل...»، فالعقيدة هي الأصل، وهي الأساس، وهي المنهج، والعمل هو: الفرع والبناء والنبع. ولا بدَّ أن يُبْنَى العمل على العقيدة، ومن لم يُؤَسِّس عمله بالعقيدة، فلا قيمة للعمل، ولهذا قال الله في شأن الكفَّار: ﴿ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا ﴾ ، ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍۭ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ .