وما يجاور ذلك من مُبَشِّرات تتمثَّل في هذه الصحوة الإسلاميَّة الشاملة، والبعث الإسلامي الكبير، الَّذي جدَّد العقول بالعلم، وجدَّد القلوب بالإيمان، وجدَّد الحياة بالجهاد والتضحية في سبيل الله، وهيَّأ أجيالًا تعمل بالإسلام وتعمل للإسلام، وتدعو إلى الإسلام عقيدة وشريعة، ودينًا ودولة، وتعتبر المسلمين أينما كانوا أُمَّة واحدة يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويردُّ عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهم.
إنَّ المسجد في الإسلام له رسالة أساسيَّة في الحياة الإسلاميَّة، فهو يقوم بمُهِمَّة كبيرة: دعويَّة وتثقيفيَّة وتربويَّة.
ولكنَّ رُوح المسجد هو إمامه وخطيبه، الَّذي يمكن أنْ يوقظ النَّاس وأنْ يُنَوِّمهم، يمكن أنْ ينهض بهم وأنْ يُخدِّرهم، وذلك بحسَب ما يُقدِّم لهم في خطبه ودروسه، فإذا قدَّم لهم الدين: عقيدة سليمة، وعبادة خالصة، وأخلاقًا فاضلة، وآدابًا سامية، وأعمالًا صالحة، وتشريعات عادلة، وعلومًا نافعة، وفنونًا راقية، وحضارة متوازنة، معبّرًا عن أفكاره بأسلوبٍ بَيِّن، وشرحه شرحًا يُقنع العقل، ويستميل القلب، ويُحَرِّك الإرادة، جامعًا بين الأصالة والمعاصرة، معتمدًا على المصادر الموثّقة، بعيدًا عن إسرائيليَّات التفسير، ومنكرات الحديث وموضوعاته، وخرافات العوام، وأوهام الخواص، مُتَحَرِّيًا منهج الاعتدال والوسطيَّة في تناوله للقضايا، بمَعْزِل عن غلوِّ الغالين، وتفريط المُتَسَيِّبين.
إذا فعل ذلك كان في عداد المصلحين المخلصين، والموقظين النافعين، والعلماء الربَّانيِّين، وقليلٌ ما هم.
أمَّا إذا قُدِّم الدِّين على عكس هذه الصورة؛ فإنَّ إثمه أكبر من نفعه، وهو يهدم أكثر ممَّا يُشيِّد، ويَضُرُّ أكثر ممَّا يُفيد، وهو ـ للأسف ـ ما يصنعه كثيرون من الخطباء الَّذين تَضِجُّ منهم المنابر، وتشكوهم المساجد.