إنَّ المسجد إذا قام برسالته كما ينبغي، يستطيع أنْ يُحدث انقلابًا سلميًّا في حياة المسلمين، حين يُوَعِّيهم بواجبهم، ويُعايشهم في همومهم، ويُنَبِّههم على نقاط ضعفهم ليقووها، وعلى ثغرات حياتهم ليجتهدوا أنْ يَسُدُّوها، فهو يُفَقِّههم بحقائق دينهم، ويُرَقِّيهم في أمر دنياهم.
والمطلوب من الخطيب هنا أنْ يقوم بهذه الرسالة العظيمة في غايةٍ من الرفق والحكمة؛ حتَّى لا يتنبَّه له محترفو السياسة، فيحسوا أنَّ في هذه التوعية المستمرة، والتوجيه القوي الدائم، خطرًا على كراسيِّهم وعلى سرفهم وترفهم، وانحرافهم عن نهج الإسلام السويِّ، فيعملوا على إبعاده عن منبره، وإسكات صوتٍ كان ينطق بالحقِّ، ويدوِّي بالخير، ويدعو إلى العدل، وإلى صراط مستقيم.
لقد شعر رجال التنصير في أوائل هذا القرن «العشرين الميلادي» في مصر بأهميَّة خطبة الجمعة ولقاء الجمعة، فكتب أحد قادتهم في تقريرٍ له قال في ختامه ما معناه: إنَّ الإسلام سيظلُّ صخرة عاتية تتحطَّم عليها محاولات التبشير المسيحي ما دام للإسلام هذه الركائز الأربع: القرآن، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحجِّ السنوي.
ولذا حاولوا إضعاف تأثير هذه الأربع بأساليب شتَّى لا يتَّسع المقام لذكرها هنا.
فلا بدَّ للخطباء أنْ يدركوا منزلتهم وأهميَّتهم في المجتمع المسلم، وإن لم يأخذوا حقوقهم المادِّيَّة كما يجب، فهذا جزء من الخُطَّة المرسومة.
ونصيحتي لأبنائي وإخواني الخطباء أنْ يُجَدِّدوا معلوماتهم باستمرار، وأنْ يَظَلُّوا يُقْرِؤون، كما كان السلف يفعلون، فليس هناك وقتٌ يقف فيه المرء عن القراءة؛ فالعلم بحرٌ لا ساحل له ولا قرار، والله تعالى يقول لرسوله: ﴿ وَحْيُهُۥ ۖ وَقُل رَّبِّ ﴾ .