أبو بكر الصِّدِّيق كما قال سعيد بن المُسَيّب سيد التابعين 3 ، كان ثاني رسول الله ﷺ في الإسلام، وكان ثانيه في الغار: ﴿ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ ﴾ ، وكان ثانيه في العريش يوم بدر، وكان ثانيه في إمامة المسلمين الصغرى، وإمامتهم الكبرى، وكان ثانيه في القبر، وما قدَّم المسلمون ولا قدَّم رسول الله ﷺ على أبي بكر أحدًا.
أجلْ، أبو بكر الصِّدِّيق أوَّل من أسلم من رجال هذه الأُمَّة، جاء في الحديث: «ما دعوتُ أحدًا إلى الإسلام إلَّا كانت عنده كبوة وتردُّد ونظر، إلَّا أبا بكر ما عكم ـ أي: تلبث ـ عنه حين ذكرته، ولا تردد فيه»(1).
فبمجرد أنْ دعاه رسول الله ﷺ دخل في الإسلام؛ لأنَّه كان يعرفه من قبل، معرفة الصديق بصديقه، الَّذي يعرف مظهره ومخبره، ومدخله ومخرجه، من خلال عِشرة طويلة، وكان يرى فيه دلائل نبوة، ويعرف من أخلاقه أنَّه ليس بكذَّاب، فما أن عرض عليه الإسلام حتَّى أسلم.
ولما كان يوم الإسراء وأخبر النَّبي ﷺ قريشًا بما وفَّقه الله إليه من رحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، واستبعد هؤلاء ذلك، وذهب أحدهم إلى أبي بكر يعرض عليه ما قال صاحبه، كأنَّه يتخيل أنْ يوافقه أبو بكر على التكذيب، قال له: أوقال ذلك؟ قال: نعم. قال: إن كان قاله فقد صدق؛ أنِّي أصدِّقه في خبر السماء ـ أن جبريل يأتي من فوق سبع سماوات إلى الأرض بآيات الله في لحظة ـ أفلا أصدِّقه أن يذهب إلى بيت المقدس في ليلة؟