إنَّها الدعوة إلى التوحيد الحقِّ، والدعوة إلى التوحيد الحقِّ تعني: الدعوة إلى التحرير الحقِّ، تحرير الإنسان من العبوديَّة لغير الله، من العبوديَّة للأشياء، والعبوديَّة للأشخاص، والعبوديَّة للأهواء، والعبوديَّة للأوثان، والعبوديَّة للأوهام.
وكان هذا التوحيد هو مصدر الحُرِّيَّة والإخاء والمساواة، ما دمنا كلُّنا عبادًا لله، فليس هناك أحد يستذلُّ أحدًا، وليس هناك أحدٌ يخضع لأحد، ولا تُعَفَّر جبهةٌ إلَّا ساجدة لله، ولا ينحني ظهر إلَّا راكعًا لله، النَّاس كلُّهم إخوة، كلُّهم متساوون، ربُّهم واحد، وأبوهم واحد، كلُّهم لآدم وآدم من تراب.
كانت هذه الدعوة الجديدة إيذانًا بميلاد إنسانٍ جديد، إنسانٍ عزيزٍ كريمٍ حرٍّ، لا يخضعُ ولا يَذِلُّ، ولا يَدِين إلَّا بأمر الله، ولأمر الله.
المشركون يعارضون دعوة التوحيد:
ولهذا وقف الطغاة، وقف المُتَأَلِّهون، وقف المستكبرون ضدَّ هذه الدعوة، هذه الدعوة الَّتي لم يُرِدْ صاحبُها من أحدٍ جزاءً ولا شكورًا، ولم يبغِ مالًا ولا أجرًا، إن أجره إلَّا على الله رب العالمين.
وقفوا ضدَّه وهم يعلمون أنَّه على حقٍّ: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ . الظلم والعلو، البغي والحسد، الكبر والأنفة، الجمود والتقليد: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ ، كلُّ هذه المعاني وقفت حائلًا بين هؤلاء النَّاس واتباع مُحَمَّد ﷺ ، الَّذي لم يُجَرِّبوا عليه يومًا كذبًا قط، والَّذي كانوا يُسَمُّونه: «الأمين»، والَّذين لم يعرفوا عليه لوثةً في قولٍ أو فعل، ما سجد لصنمٍ، ما شرب يومًا خمرًا، ما عبث يومًا كما يعبث الفتيان، كان مثال الطهارة والاستقامة، والشرف والفضيلة.