ولكن هؤلاء النَّاس أبت عليهم أهواؤهم وأنفسهم الأمَّارة بالسوء وشياطينهم، إلَّا أن يحاربوا الهُدَى ويتَّبعوا الهوى، ويقفوا ضدَّ رسولِ الله ﷺ .
عشيرته من قريش وقفت ضدَّه، وضدَّ أصحابِه، فنالهم من الأذى ما نالهم، وصُبَّ عليهم سوط العذاب ثلاثة عشر عامًا، لم يدَع النَّبيُّ ﷺ فيها أمر دعوته، كان يدعو إلى الله سرًّا وجهارًا، وليلًا ونهارًا، مع أهل مكَّة، ومع من يأتي إلى مكَّة من القبائل في مواسم الحجيج.
كان يعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكَّة، يقرأ عليهم قرآنه، ويعرض عليهم دعوته، ويُرَغِّبهم ويُرَهِّبهم، يريد أنْ يأخذ بأيديهم إلى ساحة الله، أنْ يقودهم إلى هذا الهدى الجديد.
ولكن هناك من يشترط عليه أنْ يكون له الأمر من بعده إذا انتصر، لا يريدون أنْ يدخلوا لله وإنَّما لغنيمةٍ، ويأبى النَّبيُّ ﷺ مِثْلَ هذا الشرط، فمن دخل الإسلام دخله لله لا لمَغْنَم ولا لدُنْيا.
وهناك من يردُّه أقبح الردِّ: كان عمُّه (أبو لهبٍ عبد العُزَّى بن عبد المُطَّلَب) يمرُّ والنَّبيُّ ﷺ يقول: «يا معشرَ العرب، أدعوكم إلى كلمةٍ إذا آمنتم بها واتَّبعتموني، دانت لكم بها العجم، وملكتُم بها العرب: لا إلٰه إلَّا الله». كلمة التقوى، كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص، كلمة التحرير للبشريَّة. وأبو لهب يقول لهم: يا معشرَ قبائل العرب، لا تسمعوا لهذا الصابئ؛ فإنَّه مجنونٌ يَهْذي. فيقولون له: عشيرتُكَ أعلمُ بك، حيث لم يُصَدِّقوكَ(1).