أعدَّ الرفيق الَّذي يهاجر معه، وأعد الدليل الَّذي يدلُّهما على الطريق
هجرة النبي ﷺ وصاحبه أبو بكر 3 :
ذهب النَّبي ﷺ إلى أبي بكر، وكان قد رتَّب للهجرة كلَّ شيء يمكن للبشر أن يرتبوه، ما كان في مُكنته وقدرته هيَّأ أمره، وما لم يكن في قدرته تركه لله تعالى، لم يدع الأمور تجري في أعنَّتها، فليس هذا من الإسلام في شيء، الإسلام تفكير وتخطيط، وحسن تدبير وترتيب، مع التوكُّل على الله تعالى.
لهذا أعدَّ الرسول الكريم الرفيق الَّذي يهاجر معه، وهو «أبو بكر»، وأعد الدليل الَّذي يدلُّهما على الطريق، وكان رجلًا مشركًا مؤتمنًا اسمه «عبد الله بن أُرَيْقِط»، وأعدَّ المكان الَّذي يختبئان فيه حتَّى يهدأ الطلب ويخفَّ، وكان «غار ثور»، وكان إلى الجنوب في غير طريق المدينة؛ تعمية على القوم وتمويهًا عليهم، وأعدَّ من يأتي لهما بالزاد والطعام «أسماء بنت أبي بكر»، وأعدَّ من يعفِّي على آثار أسماء وهو «عبد الله بن فُهَيْرة» الَّذي يأتي بالغنم يأخذ منها اللبن، ويُعَفِّي على الآثار بسيرها، وأعدَّ «عبد الله بن أبي بكر» يأتي بأخبار القوم وماذا يقولون، وماذا يُفَكِّرون، ينسلُّ إليهم كواحدٍ منهم يسمع منهم، ويذهب ليبيت عند النَّبيِّ ﷺ في أوَّل ليله، وفي آخر الليل يعود وكأنَّه نائم في مكَّة(1).
رتَّب لكلِّ أمر ما يستطيع أن يرتبه الإنسان، ولكن هناك أشياء لا تدخل في مُكنة البشر، هذه تركها لله.
ولهذا حينما انطلق القوم هنا وهناك، يبحثون عن محمَّد ورفيقه أبي بكر، شرَّقوا وغرَّبوا، وذهبوا شمالًا وجنوبًا، حتَّى وصلوا إلى الغار بالفعل، ووقفوا على باب الغار، ولكنَّ الله صنع لرسوله ﷺ ولصاحبه ما لم يكن يخطر بالبال.