فالصدود عما أنزل الله والصدود عما حكم به رسول الله ﷺ ، هو نفاق، سواء كان هذا صدودًا من حاكم أو محكوم، مقتضى الإيمان أن ترجع إلى حكم الله ورسوله وإلا انتفى عنك الإيمان، أقسم الله على ذلك في قرآنه قسمًا مؤكدًا، فخاطب رسوله بقوله: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .
هذا هو مقتضى الإيمان، ولهذا ظلت الأمة الإسلامية ثلاثة عشر قرنًا لا تعرف شريعة غير شريعة ربها، كان القرآن دستورها، وكانت الشريعة الإسلامية قانونها الذي تحتكم إليه، وإليه تلجأ في الفتوى والقضاء وفي كل شيء، كان هناك تقصير، كان هناك انحراف، كان هناك سوء الفهم لشريعة الإسلام وسوء في التطبيق لأحكامها، ولكن لم يكن هناك تمرد عليها أو رفض لها، لا يملك أحد هذا، أشد الناس طغيانًا وجبروتًا ما كان يملك إذا ووجه بحكم الله ورسوله إلا أن يسمع ويطيع... الحجاج بن يوسف الثقفي، الطاغية المتجبر المعروف الذي كان يأخذ بالظنة، ويقتل بالشبهة، هذا الحجاج سجن يومًا رجلًا ولم يكن هو الجاني، وإنما جنى بعض أقربائه فجيء به أمام الحجاج، وسأله عن أمره ما الذي جاء بك، فقال: جنى جان من عرض العشيرة، من الأقارب فأخذت به وسجنت بديلًا عنه، فقال الحجاج: إن الشاعر يقول:
جانيك من يجني عليك
وقد تعدى الصحاح مبارك الجرب
ولرب مأخوذ بذنب عشيرة
ونجا المقارف صاحب الذنب
أي أن الإنسان قد يؤخذ بذنب غيره، هكذا يقول الشاعر، فقال الرجل: إذا كان الشاعر قد قال هذا فإن الله تعالى قال على لسان يوسف 0 : ﴿ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَـٰعَنَا عِندَهُۥٓ إِنَّآ إِذًا لَّظَـٰلِمُونَ ﴾ ، وهذا هو المعنى الذي أكده القرآن حين قال: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ ، المسؤولية الفردية، ولما سمع الحجاج هذه الآية من الرجل قال: خلوا سبيله، صدق الله وكذب الشاعر(1) !