أمَّا بعد، فيا معشر المسلمين:
يقول الله تعالى في كتابه المبين: ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱرْكَعُوا وَٱسْجُدُوا وَٱعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ 77 وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ ۚ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعْتَصِمُوا بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَىٰكُمْ ۖ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ 78 ﴾ .
النداء المحبب:
أخي المسلم، في هاتين الآيتين يخاطِب الله الَّذين آمنوا، ويستثير فيهم معاني الإيمان، ويخاطبهم بهذه السِّمة الكريمة، سمة المؤمنين، وقد قال عبد الله بن مسعود 3 : إذا سمعتَ الله يقول: يا أيَّها الَّذين آمنوا، فأرعِها سمعك؛ فإنَّها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه(1).
في هاتين الآيتين حدَّد الله رسالة المسلم في هذا الوجود، ومهمَّة المؤمن في هذه الحياة.
ما هي مهمَّة المؤمن؟
أخي المسلم، ما هي مهمَّة المسلم؟! وما هي رسالة المؤمن؟!
أهي رسالة دينيَّة رُوحيَّة؟ أم هي رسالة خيريَّة اجتماعيَّة؟ أم هي رسالة جهاديَّة سياسيَّة؟ أم هي رسالة تجمع ذلك كلَّه في نسَقٍ جميل؟
الشُّعبة الأولى من رسالة المسلم: العِبادة:
رسالة المسلم ذات شُعب ثلاث:
الشُّعبة الأولى: شُعبة رُوحيَّة، وهي الَّتي يحدِّدها قول الله تعالى: ﴿ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾، أوَّل شيء من مهمَّتك يا مسلم: الركوع، والسجود، وعبادة الله، إنَّك ـ أيَّها الإنسان ـ لست هذا الهيكل من اللحم والدم، والعَظم والعصب، لست هذا الجسم الَّذي خُلق من التراب وسيعود إلى التراب، وإنَّما أنت قبس من نور الله، ونفخة من روح الله، وسِرٌّ من أسرار الملأ الأعلى، خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من رُوحه، وجعل الملائكة لك حفَّاظًا وخدَّامًا، وأنزل الكتب، وأرسل إليك النبيِّين مبشِّرين ومنذرين؛ لئلَّا يكون للنَّاس على الله حُجَّة بعد الرُّسل.