أنت ـ أيَّها الإنسان ـ صاحب هذه المكانة العليا، أنت خليفة الله في أرضه، وسيد هذا الكون كلِّه، أنت المتصرِّف في هذا المُلك العظيم بأمر الله، ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ .
أيليق بك ـ أيَّها الإنسان ـ أنْ تهمل مهمَّتك، وأنْ تغفل مكانتك، وأنْ تجهل رسالتك، ويصبح كلُّ همِّكَ دائرًا حول معدتك، ولا تكن غايتك محصورة إلَّا في بطنك، تأكل لتعيش، وتعيش لتأكل.
فما لهذا خُلقت، وما لهذا نزلت عليك الكتب، وبُعثت إليك الرُّسل، وإنَّما خُلقت لمهمَّة أسمى، ورسالة عُظمى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ 57 إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ 58 ﴾ .
وفي الأثر الإلٰهي: «يا عبادي، إنِّي لم أخلُقْكم لأستأنسَ بكم من وَحْشة، ولا لأستكثر بكم من قلَّة، ولا لأستعين بكم من وَحْدة على أمرٍ عجزت عنه، ولا لجلب مَنْفَعة، ولا لدفع مَضَرَّة، ولكنْ خلقتُكم لتعبدوني طويلًا، وتذكروني كثيرًا، وتسبِّحوني بُكرة وأصيلًا»(1).
بهذه «الربَّانيَّة» يكون فضلك ـ أيَّها الإنسان ـ وليس فضلك في جسدك وجثتك، ولا في عنفوانك وقوتك؛ فإنَّ في البهائم ما هو أضخم منك جُثة، وفي السِّباع ما هو أشدُّ منك قوَّة!
إنَّما أنت ـ أيَّها الإنسان ـ قلب حي، ووجدان شاعر، وضمير يقِظ، ونفس مشرقة، وهيهات أن يحيى القلب، ويستيقظ الضمير وتضيء جوانب النَّفس إلَّا برحيق معرفة الله، وسلسبيل عبادته، ونور طاعته ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورًا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ ﴾ .