إنَّما أنت ـ أيَّها الإنسان ـ قلب حي، ووجدان شاعر، وضمير يقِظ، ونفس مشرقة، وهيهات أن يحيى القلب، ويستيقظ الضمير وتضيء جوانب النَّفس إلَّا برحيق معرفة الله، وسلسبيل عبادته، ونور طاعته ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورًا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ ﴾ .
عبادة الله وحده: هي العهد القديم الَّذي أخذه الله على بني الإنسان، وسجَّله بقلم القدرة في فِطرهم البشريَّة، وغرسه في طبائعهم الأصيلة، منذ وضع في رؤوسهم عقولًا تعي، وفي صدورهم قلوبًا تخفق، وفي الكون حولهم آيات تهدي ﴿ ۞ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا ٱلشَّيْطَـٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 60 وَأَنِ ٱعْبُدُونِى ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ 61 ﴾ .
فلا عجب أنْ يكون المقصد العظيم من بعثة النبيِّين، وإرسال المرسلين، وإنزال الكتب المقدَّسة، هو تذكير النَّاس بربِّهم، وأن يكون النداء الأول لكلِّ نبي: ﴿ ۞ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥٓ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ ، وصدق الله العظيم: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ ﴾ .
ولقد جاء الإسلام من أوَّل يوم يقود النَّاس إلى الله بزمام الدعوة والترغيب والترهيب، حتَّى يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.
وليست العبادة في الإسلام شكلًا يتعلَّق بالمظهر، أو رسمًا يتَّصل بالجسم، ولكنها سرٌّ يتعلَّق بالقلب، وإخلاص ينبع من الروح، فإذا لم يصدُق قلب المسلم في عبادته، ولم يخلِص لله في طاعته، فسيردُّها الله عليه كما يردُّ الصيرفي النقَّاد الدراهم الزائفة ﴿ وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ ﴾ .
لماذا فرض الله العبادة؟
لماذا ألزم الله تعالى عباده بأوامره، وكلَّفهم بتكاليف، وفرض عليهم عبادات؟