انظروا إلى هذا الحديث الصحيح الَّذي رواه الإمام مسلم عن أبي هُرَيْرة، عن أولئك الثلاثة الَّذين أخبرنا النبيُّ ﷺ أنَّهم أوَّل مَنْ تُسعَّر بهم النَّار يوم القيامة: هذا العالم الَّذي علم العلم وعلَّمه للنَّاس، وقرأ القرآن وأقرأه للنَّاس، ولكنَّه يأتي يوم القيامة يريد الأجر، فلا يجد أجرًا، يقال له: إنَّما فعلت ذلك ليقال: عالم، وقارئ للقرآن. وقد قال النَّاس ذلك. فيُؤْمر به فيُسْحَب على وجهه إلى النَّار.
ورجل آخر أنفق ماله، وتصدق على هذا وذاك، فيأتي يوم القيامة مُدِلًّا بصدقته وإنفاقه وبذله، فيقال له: إنَّما فعلت ذلك ليقال: فلانٌ جوادٌ سخيٌّ كريم. وقد قيل، قال النَّاس ذلك، أعطوك الأجر الَّذي أردت. فيُؤْمر به فيُسحب على وجهه إلى النَّار.
ويأتي ثالث قاتَل حتَّى قُتِل، فيقول: يا ربِّ قاتلت في سبيلك حتَّى قُتلت. فيقول: كذبت، إنَّما فعلت ذلك ليقول النَّاس: جريءٌ شجاع. وقد قيل. فَيُؤْمر به فيُسحب على وجهه إلى النَّار، وبئس القرار، قال الحديث: «أولئك أوَّل مَنْ تُسعَّر بهم النَّار يَوْمَ القيامة»(1).
يا للهول، يا للعَجَب، عالم قارئ مُعَلِّم، ومُتَصَدِّق باذل، ومجاهد مقاتل قُتل في المعركة، تُسعَّر بهم النار، أوَّل مَنْ يسحبون على وجوههم إلى النار، لماذا؟ لأنَّهم زوَّروا على الله، كذبوا على الله، زيَّنوا ظواهرهم وخرَّبوا بواطنهم، أولئك لم يعبدوا الله، وإنَّما عبدوا ذواتهم، عبدوا أشخاصهم، عبدوا أهواءهم، والله لا يحبُّ إلَّا مَنْ كان خالصًا لوجهه.
إنَّ الخطر كلَّ الخطر في أولئك الَّذين يعبدون أنفسهم، أولئك المنافقون المُراؤون، إنَّ الكافر يُعرَف أنَّه كافر فيُتَّقى، والفاجر يُعرَف أنَّه فاجر فيُحْذَر، إنَّما الخطر كلُّ الخطر في هذا الَّذي يُجَمِّل ظاهره، وباطنه كلُّه خراب، قالبه حسن وقلبه سَيِّئ، يعمل عمل أهل الآخرة، ولكنَّه لا يريد إلَّا الدنيا، هذا هو الخطر.