أهميَّة النيَّة وفضلها:
لهذا كان إخلاص النيَّة في العمل هو المطلوب قبل كلِّ شيء، وقال النبيُّ ﷺ في هذا الحديث الَّذي افتتح به الإمام البخاري جامعه الصحيح، وبدأ به كثير من المُحَدِّثين كتبهم: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يُصِيبها، أو إلى امرأةٍ يَنْكِحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»(1).
هكذا قال النبيُّ ﷺ للصحابة يُعلِّمهم أنَّ الأعمال بالنيَّات، لا يُقبل العمل إلَّا بالنيَّة، العمل الَّذي تُراد به الآخرة لا بدَّ أن يكون خالصًا لله وحده والدار الآخرة، أمَّا أن تُظهر أنَّك تريد الآخرة، وأنت لا تريد إلَّا الدُّنْيا فلا يجوز، «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدُنْيا يُصِيبها، أو امرأةٍ يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
هاجر أحدهم من أجل امرأة كان يحبها، هاجرت فقال: ما قيمة العيش بعدها؟ كان اسمها أم قيس، فكان يقال له: مهاجر أم قيس(2). لأنَّه هاجر من أجل المرأة، فهجرته إلى ما هاجر إليه، لا يُكتَب مع المهاجرين في سبيل الله، وما أعظم الفرق بين الاثنين، كلاهما قطع المسافة بين مكَّة ويثرب، ولكن أحدهما يُكتب مع المهاجرين، والآخر لا شيء له من ثواب الهجرة، فالأمر يتعلَّق بالنيَّة.
وهناك مَنْ ينال ثواب الهجرة ولم يهاجر، هكذا قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِنۢ بَيْتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ . قد يعمل الإنسان الناقص فيتمه الله له ببركة نيَّته الخالصة لله تبارك وتعالى.