وهناك مَنْ ينال ثواب الهجرة ولم يهاجر، هكذا قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِنۢ بَيْتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ . قد يعمل الإنسان الناقص فيتمه الله له ببركة نيَّته الخالصة لله تبارك وتعالى.
روى الإمام البخاري قصَّة ذلك الرجل الَّذي قال: «لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقة». وإنَّما خصَّ الليل ليكون بعيدًا عن أعين الناس، ليتوارى في الظلام، فلا يحسَّ به أحد، قصد الإخلاص، فقابله رجل في الطريق، فظنَّ أنَّه من أهل الفقر والعوز، فأعطاه صدقته، فلمَّا أصبح سمع النَّاس يتحدَّثون: «تُصُدِّق الليلةَ على سارق». أعطى الصدقةَ لِلصٍّ، وهو يظنُّ أنَّه من أهل الاستحقاق، فقال: «اللهمَّ لك الحمد، على سارق، لأتصدَّقنَّ الليلةَ بصدقة».
وخرج فقابلته امرأةٌ فظنَّها من أهل الاستحقاق، فأعطاها الصدقة في جنح الظلام، فأصبح النَّاس يتحدَّثون: «تُصُدِّق الليلةَ على زانية». فقال: «اللهمَّ لك الحمد، على سارق، وعلى زانية! لأتصدَّقنَّ الليلةَ بصدقة».
وخرج فقابله رجل فأعطاه الصدقة، فأصبح النَّاس يتحدَّثون: «تُصُدِّق الليلة على غنيٍّ». فقال الرجل: «اللهمَّ لك الحمد، على سارقٍ، وعلى زانيةٍ، وعلى غنيٍّ!».
وظنَّ أنَّ صدقته لم تقع موقعها، ولم يقبلها الله منه، ولكنَّه نام فرأى في رؤية صادقة مَنْ أتاه وقال له: «أمَّا صدَقَتُكَ على سارِقٍ، فلَعلَّهُ أنْ يَستَعِفَّ عن سرِقَتِه، وأمَّا الزّانيةُ، فلَعلَّها أنْ تَستعِفَّ عن زِناها، وأمَّا الغنيُّ، فلَعلَّهُ أنْ يَعتبِرَ فيُنفِقُ مِمَّا أعْطاهُ اللهُ»(1). إذا علم هذا الغني أنَّ هناك أناسًا يتصدَّقون في الظلام دون أن يُحسَّ بهم أحد، فلعلَّ هذا يُحرِّك سواكنه فيعطي ممَّا أعطاه الله، أي: إن صدقته لم تذهب هباءً، ولم تَضِعْ سُدًى ببركة النيَّة.