وليس معنى هذا أنَّ التقيَّ لا يقع في المعصية، لا، بل يقع في المعصية، هذا قدر الله، كلُّ إنسان قد يغلبه شيطانه، وتغلبه نفسه؛ فيقع في حفرة الشيطان، ولكنَّه لا يستسلم لها، يرجع إلى نفسه، ويلومها ويحاسبها، ويعود إلى ربه، فيطلب منه التوبة، ويطلب منه المغفرة، ﴿ قُلْ يَـٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ ، سمَّى الله تعالى هؤلاء المُسرفين على أنفسهم بالمعاصي والمظالم عباده؛ لأنَّهم لم ينقطعوا عن عبادته وعبوديَّته بالمعصية.
يعود التقيُّ على نَفْسِه، ويرجع إلى ربِّه، ويسأله أن يتوب عليه، وأن يغفر له، وهو الغفور الرحيم، هذا هو شأن المُتَّقِين، ولذلك قال تعالى في وصفهم: ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ ﴾ . إذا ارتكبوا كبيرةً بفعل فاحشة، أو صغيرةً بظلم النفس، ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ ﴾ . هل هناك أحدٌ يغفرُ الذنوبَ إلَّا الله؟ لا يوجد أحدٌ إلَّا الله، ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ 135 أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ 136 ﴾ . فشُعَب الإيمان الَّتي تجمعها كلمة التَّقْوى هي من طرائق الوصول إلى الجنَّة.
3 ـ الجهاد في سبيل الله:
وممَّا يرشدنا إليه المسجد من طرق الجنَّة: الجهاد في سبيل الله، كما يقول الله تعالى: ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ . هناك تجارة رابحة، بل أربح تجارة في الدُّنْيا والآخرة، وليست تربح فقط، بل تُربح وتُنجي، ﴿ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ . الجهاد في سبيل الله بالنفس وبالمال، تتخلَّى عن نفسك، وتتخلَّى عن مالك، اشترى الله تعالى منك فبِعْ له، ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ﴾ ، اشترى منهم أنفسًا هو الَّذي خلقها، وأموالًا هو الَّذي رزقها، هل رأيتَ أحدًا يشتري ما يملك؟ الله هو مالك هذه الأنفس، ومالك هذه الأموال، يشتريها منك، ويغلي الثمن، جنَّة عرضها السماوات والأرض، ادفعْ لتأخذ الجنَّة.