كان عند بني إسرائيل آصارٌ وأغلال، عاقبهم الله على معاصيهم وكفرهم، وقتلهم الأنبياء بغير حق؛ بأن حرَّم عليهم طيِّبات أُحِلَّت لهم، قال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرًا 160 وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَوٰا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 161 ﴾ . بهذا كلِّه حرَّم الله عليهم هذه الطيبات.
ثم جاء مُحَمَّد ﷺ يُحلُّ الطيِّبات كل الطيِّبات، ويُحرِّم الخبائث كل الخبائث، ويضع الأثقال والآصار والتكاليف الثقيلة عن النَّاس، حتَّى تكون هذه الرسالة هي الرسالة الخاتمة، ويحتملها النَّاس في كل الأقطار، وفي كل البيئات، وكل الأزمان، وكل الأحوال، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ، ﴿ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ ﴾ . فخلود الرسالة المُحمَّديَّة هو الخصيصة الثانية لهذه النبوَّة.
3 ـ القرآن معجزة الإسلام الخالدة:
ومن الخصائص الَّتي تميَّزت بها رسالة محمَّد: أنَّ الأنبياء السابقين أيَّدهم الله في دعوى الرسالة بآيات كونيَّة، ومعجزات حسيَّة يراها النَّاس فتبهرهم، ولكنَّها تنتهي بمجرد حدوثها، أيَّد الله موسى بالعصا وباليد وبآيات أخرى، وأيَّد الله المسيح عيسى بإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، ولكن هذه المعجزات بمجرد أن تقع تنتهي، ولولا أنَّ القرآن حدَّثنا عن هذه المعجزات ما علمنا بها، ولا صدَّقنا بها.
ولكن الله تعالى أيَّد محمدًا صاحب الرسالة الخالدة بمعجزة خالدة، بمعجزة باقية ما بقي الدهر، لأنَّها ليست معجزة حسيَّة، أنَّها معجزة أدبيَّة عقليَّة، أنَّها القرآن العظيم، الآية الباقية ما بقي الزمان، وما بعد الزمان.