وقد أُعلنت عالميَّة الرسالة المُحمَّديَّة منذ العهد المكي. بعض المستشرقين قال: إنَّ محمدًا لم يدَّعِ العالميَّة إلَّا بعد صلح الحديبيَّة، حينما أرسل لكسرى وقيصر، والنجاشي والمقوقس وهؤلاء، يدعوهم إلى الإسلام.
وهذا ليس بصحيح؛ فمَنْ قرأ القرآن المكي وجد فيه آيات شتى تُعلن عالميَّة الإسلام، وعالميَّة القرآن، في سورة الأنبياء وهي مكية: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ ﴾ . وفي سورة الفرقان وهي مكية: ﴿ تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيرًا ﴾ . وفي سورة الأعراف وهي مكية: ﴿ قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ . سور عديدة أعلنت عالميَّة القرآن وعالميَّة الرسالة المُحمَّديَّة، ومنها سور مكيَّة.
وكانت هذه أوَّل مرَّة يُعلن نبي من الأنبياء أنَّه بُعث إلى النَّاس كافَّة، حتَّى إلى الجن والإنس، مَنْ يقرأ منكم التوراة الَّتي بين أيديهم يجد أنَّها كتاب محليٍّ، كل التوراة عن بني إسرائيل، ومُلك إسرائيل، وتاريخ إسرائيل، وأعداد بني إسرائيل، وأسباط بني إسرائيل، حتَّى الرب نفسه هو عندهم رب إسرائيل، بينما عندنا أوَّل آية في المصحف بعد البسملة: ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴾ . وآخر سورة في القرآن: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ 1 مَلِكِ ٱلنَّاسِ 2 إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ 3 ﴾ . هذه من العالميَّة عندنا، أمَّا التوراة كتاب إسرائيلي، كتاب قومي، كتاب عنصري، كتاب محلي، وأوَّل نبي جاء يُعلن العالميَّة هو محمَّد ﷺ ، هذه أوَّل خصيصة للرسالة المُحمَّديَّة، أنَّها رسالة عالميَّة.
2 ـ رسالة خاتمة خالدة:
والخصيصة الثانية: أنَّه بُعث بالرسالة الخالدة، الرسالة الخاتمة، كل رسول بُعث قبل مُحَمَّد كان يُبشِّر قومه برسول يأتي من بعده، موسى بشَّر حتَّى بمُحَمَّد ﷺ ، وعيسى بشَّر بمُحَمَّد ﷺ ، ﴿ وَمُبَشِّرًۢا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِى ٱسْمُهُۥٓ أَحْمَدُ ﴾ ، وهذه المبشِّرات موجودة إلى الآن، مَنْ يقرأ أسفار التوراة وملحقاتها، والأناجيل الأربعة وملحقاتها يجد فيها البشرى بمُحَمَّد ﷺ ، أن هناك نبيًّا يأتي بعد موسى، ونبيًّا يأتي بعد عيسى يكشف كل الحقائق، ويكسر عمود الكفر، ويفعل كذا وكذا، هذا موجود في الإنجيل إلى اليوم.