وبعض سوء الفَهم الذي نعانيه وافد علينا، من أثر الغزو الفكري المخطَّط والمنظَّم، لاجتياح الأمة وهزيمتها من داخلها، وتسميم آبارها بمفاهيم أجنبية عنها، وأفكار دخيلة عليها، تعمل عملها في عقول أبنائها وبناتها بوساطة التعليم من الحضانة إلى الجامعة، ووساطة التثقيف والإعلام: بالكلمة المقروءة، والكلمة المسموعة، والصورة المرئية، وعن طريق مؤسسات التوجيه والترفيه: الصحافة والإذاعة والتلفاز، والمسرح والسينما، ومراكز الثقافة والتأثير. كلها تصبُّ في عقل المسلم وضميره صباح مساء ما لا يتفق وأصول الإسلام، وهداية القرآن، وتربية محمد ! ، وإجماع الصحابة ومَن تبعهم بإحسان.
وكان من حصيلة هذا: ما لمسناه عند كثير من المسلمين من الاضطراب في فَهم دينهم ورسالتهم، فرأينا منهم مَن يضيف إلى الإسلام ما ليس منه من المحدثات والبدع، ومنهم مَن يريد أن يحذف من الإسلام ما هو من صلبه، ومنهم مَن فهم تعاليم الإسلام على غير وجهها، ومنهم مَن أخلَّ بالتوازن أو بالنِّسَب التي وضعها للأعمال والتكاليف، فضيع «فقه مراتب الأعمال» أو «فقه الأولويات»، ومنهم مَن أخذ ببعض الأحكام والتعاليم، وأعرض عن البعض الآخر، أو ضخَّم بعضها على حساب البعض الآخر، فطغى في الميزان أو أخسر في الميزان.
وإذا كان كثير من المسلمين قد أساؤوا فَهم الإسلام ـ وهو دينهم وموئلهم، ومنبع عقيدتهم وشريعتهم، ومصدر عزَّتهم وصانع حضارتهم ـ فلا غرابة أن نجد غير المسلمين أكثر منهم سوءًا في فَهم الإسلام، وتصور حقيقته وتصويرها، ومنهم مَن درس الإسلام، وقرأ الكثير من مراجعه، ولكنه لم يحسن فَهمها لأسباب عدة؛ منها عدم تذوقه للعربية، ومنها خلفيته العقدية والفكرية، التي تتخذ من الإسلام ورسوله وكتابه وتراثه موقفًا عدائيًّا، من أول الأمر، فهو لا يقرأ قراءة المحايد، ومنها الباعث الذي حركه للدراسة ما هو؟