وإذا كان كثير من المسلمين قد أساؤوا فَهم الإسلام ـ وهو دينهم وموئلهم، ومنبع عقيدتهم وشريعتهم، ومصدر عزَّتهم وصانع حضارتهم ـ فلا غرابة أن نجد غير المسلمين أكثر منهم سوءًا في فَهم الإسلام، وتصور حقيقته وتصويرها، ومنهم مَن درس الإسلام، وقرأ الكثير من مراجعه، ولكنه لم يحسن فَهمها لأسباب عدة؛ منها عدم تذوقه للعربية، ومنها خلفيته العقدية والفكرية، التي تتخذ من الإسلام ورسوله وكتابه وتراثه موقفًا عدائيًّا، من أول الأمر، فهو لا يقرأ قراءة المحايد، ومنها الباعث الذي حركه للدراسة ما هو؟
المهم عندنا هنا أن نصحِّح فَهم المسلمين وتصوُّرهم للإسلام، حتى يحسن سلوكهم وعملهم، فالفكرة تسبق الحركة، والعلم إمام العمل، ولهذا كان أول ما نزل من الوحي: ﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ ﴾ ، والقراءة هي باب العلم.
وهذه الرسالة الموجزة تحاول أن تضيء الطريق للمسلم المعاصر، وتصحِّح تصوره للإسلام، وتزيح عن وجهه الغبش والالتباس، وتضع الضوابط الضرورية لحسن فَهمه، كما تضع الأصول، أو الملامح الأساسية لتعاليمه، التي تسعى إلى إصلاح الفرد، وإسعاد الأسرة، وترقية المجتمع، والنهوض بالدولة، والسمو بالأمة، والاستشراف لعالم متعارف.
ومن أولى ما يجب أن يدركه المسلم هنا: أنه يستطيع أن يستمسك بدينه، ويعيش عصره، وأن يستمتع بحياته، ويمارس نشاطه، وأنه لا تناقض بين التدين والتمدين، كما يتوهَّم بعض الناس، ما دام التدين مستنيرًا، والتمدين مستقيمًا، بل هما في الحقيقة متكاملان متلازمان، فالواجب على الدين أن يتمدين، وعلى المدنية أن تتدين، بل الدين الحق هو أساس المدنية الحقَّة، أما فكرة «مدنية بلا دين» فهي مرفوضة، كفكرة «دين بلا مدنية».
إن تصحيح الفَهم والتصور هو بداية الطريق الصحيح للرقي بالأمة، حتى تكون المسيرة على هدى، والدعوة على بصيرة، وهي خطوة ضرورية في علاج الأزمة الفكرية، ومنها ننطلق إلى علاج الأزمة الأخلاقية.