النبيُّ ﷺ لا يُثَبِّط أُمَّته:
ولا يُعقل أو يُتَصَوَّر أن يقول النبيُّ ﷺ حديثًا أو أحاديث تُثَبِّط النَّاس أن يعملوا لدينهم، ويجاهدوا من أجل إعلاء كلمته ورفع رايته، لا يُتصوَّر هذا لأنَّ المسلم مُطالَب بأحكام الإسلام إلى أن يلفظ آخر أنفاسه، وإلى أن تلفظ الحياة آخر أنفاسها، ﴿ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ﴾ ، والإنسان يعبد ربَّه بعمل الصالحات، وبالتواصي بالحقِّ وبالتواصي بالصبر، وبالدعوة إلى الله، وبالدعوة إلى الخير، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالجهاد في سبيل الله. هو مُطالَب بكلِّ هذه الأحكام: أن يُقِيمها في نفسه، وفيمن يقدر عليه ممَّا حوله ومن حوله.
لا يُتصور أن يُثَبِّط النبيُّ ﷺ المسلمين عن العمل، وهو الَّذي يقول في أمور الدُّنْيا في الحديث الَّذي رواه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الإمام أحمد، وصحَّحه العلماء الثقات: «إنْ قامت الساعةُ وفي يد أحدِكم فسيلةٌ ـ نخلة صغيرة أو شتلة ـ فإن استطاع ألَّا تقوم ـ أي الساعة ـ حتَّى يغرسَها فلْيَغْرِسها»(1).
لماذا يغرسها وهو لا يأكل منها، وليس هناك جيل بعده يأكل منها؟ ليس الأمر كما قال ذلك الشيخ، الَّذي انحنى ظهره، واشتعل رأسه شيبًا، وهو يغرس شجرة الزيتون، فقيل له: لماذا تغرس وأنت على حافة القبر؟ قال: غرس لنا من قبلنا فأكلنا، ونغرس ليأكل من بعدنا.
هنا الأمر ليس كذلك؛ لأنَّ الساعة قائمة، وإسرافيل يمسك في الصور لينفخ فيه لينهدَّ هذا العالم، وينهدم هذا السرادق بما فيه، لماذا يغرس إذن؟ هذا إشارة إلى أنَّ الإنسان المسلم منتج عامل معطاء، لا يترك العمل، ولا يكف يده عنه ما دام في الحياة رمق، ما دام هناك نَفَس يتردد، حتَّى تلفظ الحياة آخر أنفاسها، هو تكريم للعمل لذات العمل، العمل في ذاته عبادة، فهو يتعبد لله بالعمل والغرس، ولو لم يأكل من ثمرته أحد.