فهم مخالف للواقع:
وحديث آخر عن أنس: «لا يأتي عليكم زمان إلَّا والَّذي بعده شرٌّ منه». سمعته من نبيِّكم(1). ففهموا من هذا الحديث الإطلاق والعموم، أنَّه لا يكون زمان إلَّا والَّذي بعده شرٌّ منه بإطلاق، وهذا مخالفٌ للواقع؛ فكم من أزمنة جاء فيها الخير بعد شرٍّ، وجاء فيها صلاح بعد فساد، وجاء فيها عدلٌ بعد ظلم، ولو لم يكن إلَّا زمن عمر بن عبد العزيز الَّذي جاء بعد الحجاج وجبروته وظلمه، فملأ الأرض عدلًا بعد مُلئت جورًا حتَّى قال بعضهم: إنَّه هو المهدي المنتظر. وهو خامس الراشدين بإجماع علماء الأمة، لو لم يكن إلَّا عهد عمر بن عبد العزيز لكان كافيًا على نفي الإطلاق.
وهناك فترات كثيرة حدثت فيها إضاءة بعد إظلام، وإصلاح بعد إفساد: عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين محمود الشهيد، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي، هؤلاء الَّذين وقفوا أمام الصليبيَّة الغربيَّة وردوها مدحورة على أعقابها، وانتصروا للإسلام، وعاد الإسلام خافق الرايات، وعاد المسجد الأقصى بعد أن ظلَّ أسيرًا تسعين سنة في أيدي الصليبيين، هذه الفترات كيف ننكرها؟! ولذلك هذه الأحاديث تُفهم خطأ.
الحديث كما ذهب إليه بعض المحققين من الشراح هو خطاب خاص للصحابة الَّذين خاطبهم النبي ﷺ ، وإن فهم أنس 3 العموم، ففهمه ليس حجة على جميع المسلمين.