أمَّا الَّذي حدث في دول الربيع العربي من قيام ثورات الحرية والكرامة فهو في الواقع فوق التنبؤات، لم يتنبَّأ به أحد، لم تتنبَّأ به المخابرات الأمريكية، ولا المخابرات الإسرائيلية، ولا المخابرات الأوروبية، ولا المخابرات الصينية، ولا المخابرات الروسية، أيُّ مخابرات هذه الَّتي تتحدَّث عن دخائل النَّاس وعمَّ يخططونه؟ لم تتنبَّأ أيُّ مخابرات بهذه الثورات المتلاحقة.
حتى العرَّافون في أوروبا وأمريكا، قبل أن تبدأ السنة الجديدة يتنبأ العرَّافون هناك في كلِّ سنة بكل ما يحدث، وكذب المنجمون ولو صدقوا، نحن لا نؤمن بهذه الكهانات كلِّها، ولكن حتَّى هؤلاء العرَّافون لم يتنبؤوا بما وقع، الَّذي وقع أذهل الجميع.
وقديمًا قال أحد المستشرقين الكبار، وهو المستشرق البريطاني (جب)، وكان عضوًا بمجمع اللغة العربيَّة في القاهرة، وله دراسات وكتابات، منها كتابه (وجهة الإسلام) أو (إلى أين يتَّجه الإسلام؟)، قال فيه: إنَّ الحركات الإسلاميَّة تتطور بسرعة مذهلة، حتَّى إنَّ الراصدين والمراقبين لا يُحسون بها، ولا يستريبون في أمرها، وإذا بهم يفاجَؤون بها في الحياة، واقع لكنَّه شيء مفاجئ ليس له مقدِّمات، ولا له إرهاصات، إنَّ الحركات الإسلاميَّة لا ينقصها إلَّا القيادة، لا ينقصها إلَّا صلاح الدين من جديد.
ثورات بلا قيادة:
ولكن أقول: حتَّى الحركات الجديدة، والثورات الجديدة لم تكن لها قيادة، ولم يكن لها صلاح الدين، إنَّها قادت نفسها بنفسها، هذه الحركات الَّتي غيَّرت أنظمة مستبدَّة، أنظمة فرعونية وهامانية وقارونية، كلها أنظمة متألِّهة في الأرض، لا تُحاسَب عمَّا تقول ولا تُسأل عمَّا تفعل، جاءت هذه الثورات فغيَّرت هذه الأنظمة دون قيادة، شباب بلا قيادة، رأيناهم في مصر، ورأيناهم قبل ذلك في تونس، ورأيناهم بعد ذلك في ليبيا، ورأيناهم في اليمن، ونراهم في بلاد أخرى، ما الَّذي حدث؟