تهيئة الله للأسباب:
وكيف يمكِّن الله لهؤلاء المستضعفين في الأرض، كيف يُصبحون هم الوارثين؟ يبين الله لنا كيف يصنع هذا؛ فيأتي بالقصة من أولها، فحينما يريد الله شيئًا يهيئه من الألف إلى الياء، لم يذكر القصة من أوَّل ذهاب موسى إلى فرعون، لا، بل يبين لنا كيف أعد الله هذا الطفل الَّذي سيزول على يديه ملك فرعون، فرعون الَّذي ذبَّح الآلاف وعشرات الآلاف من قبل، فمن قبل موسى وهم يعدون العدة لقطع نسل بني إسرائيل وإفنائهم، فلما أراد الله 4 أن يأتي من يزول مُلك هذا الفرعون المصري الطاغية على يديه أنجاه الله، وأنجاه الله بأن يتربى في بيت فرعون وتحت سمعه وبصره، هو الَّذي ينفق عليه ويطعمه ويسقيه، أليس هذا من سخرية الأقدار بهؤلاء الطغاة، الَّذين يظنون أنفسهم يملكون كل شيء، وهم لا يملكون شيئا، حتَّى أنفسهم لا يملكونها، حينما يأتيهم الموت لا يستطيعون أن يردوا الموت، حين يأتيهم المرض لا يستطيعون أن يردوا المرض، حين تأتيهم المصائب لا يستطيعون أن يردوا المصائب.
تربية موسى في قصر فرعون:
الله 4 هيَّأ لموسى حينما يُولد أن يذهب إلى قصر فرعون، فرعون الطاغية الَّذي قتَّل من بني إسرائيل ما قتَّل، وذبَّح ما ذبَّح: أراد الله أن يكون راعيًا لموسى، يتربى في قصره، يخدمه خدمه وحشمه، ورجاله ونساؤه، كُلّ ما يطلبه مجاب، وكل ما يأمر به مطاع، صار ابن فرعون، فعاش في بيته، ويتردد على بيت أمه الَّتي أرضعته، فلا يمنعه أحد أن يتردد على امرأة أرضعته، هم لا يعرفون أنَّها أمه الَّتي أنجبته، وحملته في بطنها تسعة أشهر!