والآن نتحدث عن الفئة الأخرى، عن الملوك والحُكَّام الَّذين لا يعدلون ولا يقيمون القسط في الأرض، وهؤلاء معظم الملوك والحُكَّام للأسف، كما قالت ملكة سبأ: ﴿ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوٓا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ . لا تعني الملوك إذا دخلوا بلادهم يفسدونها، لا، إنَّما تعني الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين لها وغالبين يفسدونها، هم مع البلاد بالإفساد، ومع العباد بالإذلال، ﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَٱتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارًا 21 وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا 22 ﴾ . وقال القرآن عن قوم هود وهم عاد: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ . وكذلك قوم صالح وهم ثمود: ﴿ فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ 150 وَلَا تُطِيعُوٓا أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ 151 ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ 152 ﴾ .
وذكر القرآن الملك الَّذي كان في عهد سيِّدنا إبراهيم: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَآجَّ إِبْرَٰهِـۧمَ فِى رَبِّهِۦٓ أَنْ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِـۧمُ رَبِّىَ ٱلَّذِى يُحْىِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحْىِۦ وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴾ . بعض المفسرين قال عن هذا الملك: إنَّه النمروذ. والقرآن لم يذكر لنا اسمه، ولذلك لا نرتب على ذلك حكمًا، القرآن يذكر لنا القصص ولا يهتم بالأسماء ولا بالتواريخ ولا بما يُعنى به المؤرخون من التفصيلات، إنَّما يذكر لنا رؤوس العبر.
فرعون مصر:
أهم من ذكره القرآن نموذجًا للظلم والطغيان والاستكبار والفساد والعلو في الأرض والمكر بعباد الله هو فرعون مصر، وكلمة (فرعون) ليست اسمًا لملك، إنَّما هي لقب لكل ملوك مصر في ذلك العهد، أو في تلك العهود، ملك مصر يلقب بفرعون، وملك الفرس يلقب بكسرى، وملك الروم يلقب بقيصر، وملك الحبشة يلقب بالنجاشي، وهكذا فهذه ألقاب لملوك.