لهذا كانت أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، في حاجة أن ينظر فيها أهل البصيرة من العلماء، حتى تُفهَم على وجهها الصحيح، لهذا اخترتُ حديث: «إن الله يبعث لهذه الأُمَّة ...»؛ لبعث الأمل، وزرع الرجاء في قلوب الأُمَّة المسلمة: أن الله لا يَدَعُها لأنياب الضعف حتى تفترسها، بل ما بين الحين والحين يُهَيِّئ لها مَن يجمعها من شتات، ويوقظها من سبات، ويُحْيِيها من موَات، يُهيِّئ الأسباب والمناخ والظروف الملائمة، لمن يُجدِّد لهذه الأُمَّة أمر دينها، مَن يُجدِّد لها الدين، ومن يُجدِّد بها الدين.
الثاني: الخلط والخبط عند مدعي التجديد:
والسبب الثاني لاختيار هذا الموضوع: هو الخلْط والخبْط الذي نراه عند كثيرين، عندما نراهم يتحدَّثون عن تجديد الدين، فهناك قوم يريدون أن يُجدِّدوا الدين كأنَّما يريدون أن يُحدثوا طبعة جديدة منقَّحة من هذا الدين، كأنَّهم يريدون دينًا جديدًا غير الدين الذي دعا إليه محمد ﷺ ، وطبَّقه خلفاؤه الراشدون من بعده، وعرَفه السلف الصالح من هذه الأُمَّة، وهؤلاء الذين سخر منهم أديب العربية والإسلام، مصطفى صادق الرافعي، حينما قال: إنهم يريدون أن يُجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر(1).
وقال فيهم أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته عن الأزهر:
لا تحذُ حذو عصابة مفتونة
يجدون كلَّ قديمِ أمرٍ منكرَا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
مَن مات من آبائهم أو عُمِّرا
من كلِّ ساعٍ في القديم وهدمه
وإذا تقدَّم للبناية قصَّرا(2)
هؤلاء الذين يريدون أن يُجدِّدوا الدين ويُطَوِّروه ويُغيِّروه، يُطَوِّروا جوهره. من هنا كنَّا في حاجة إلى أن نُصحِّح مفهوم التجديد لهذا الدين، وهذا الذي جعلني أختار هذا الموضوع.