(1) الإلزام بالزكاة:
ولكنَّ الزكاة في الإسلام أعمق، وأوسع، وأكبر من الصَّدقات والإحسان في الأديان السابقة، فقد ارتفع الإسلام بهذه الزكاة إلى أعلى درجات الإلزام الديني، والخُلُقي، والتَّشريعي، حتى جعلها الركن الثالث، والدعامة الثالثة من دعائم الإسلام، فيأتي ترتيبها بعد الشهادتين، وإقامة الصلاة.
وقد قرن القرآن الكريم بين الصلاة والزكاة في ثمانية وعشرين موضعًا، مثل قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ . وقوله: ﴿ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ . وقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ . وهكذا.
ولم يجعل للإنسان حق الانتساب إلى الجماعة المسلمة، واستحقاق أخوتها الدينيَّة؛ إلَّا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، كما قال تعالى: ﴿ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ﴾ . وقبل أنْ يفعل هذا لا يستحق الأخوةَ الدينيَّة، لا يستحق الانتساب إلى هذه الأُمَّة.
ولذلك حينما امتنع الممتنعون من الأغنياء بعد وفاة رسول الله ﷺ عن أداء الزكاة، وقالوا: نقيم الصَّلاة، ولا نؤتي الزكاة، إنَّما كنَّا نعطيها للرسول حتى يصلي علينا، فصلاتُه سكن لنا، أمَّا بعد الرسول فليس علينا زكاة. هنا قال أبو بكر 3 قولته الشهيرة: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصَّلاة والزَّكاة(1). ولذلك قال جابر بن زيد: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه(2). لأنَّه لم يُفرِّق بين العبادتين، وقد جمعهما الله في كتابه، وجمعهما الرسول ﷺ في أحاديثه الكثيرة الوفيرة، فارتفع الإسلام بالإلزام بهذه الصدقة.