ولكن بعد سنتين فقط في سنة (658هـ) أراد الله أن يكون للمسلمين واقعة جديدة، يثبتون فيها وجودهم، ولا تقوم بعدها للتتار قائمة، وهي واقعة عين جالوت، التي قادها المظفر سيف الدين قطز: القائد المملوكي الصالح، قادها في يوم جمعة في الخامس والعشرين من رمضان، وكان يقول لجنوده وقواده: انتظروا لا تبدؤوا المعركة حتى تفيء الظلال، وتهب الرياح، ويصلي المسلمون الجمعة في بلاد المسلمين، ويدعو لنا الخطباء بالنصر، ويقول المسلمون في كل مكان: آمين!
وفي أول المعركة انهزم بعض المسلمين، أو أدبروا وترددوا؛ فرمى الرجل بخوذته على الأرض وصاح صيحته التاريخية المعروفة: وا إسلاماه! فكانت هذه الصيحة إعلانًا جديدًا؛ بأن المعركة قد اتخذت اتجاهًا جديدًا! تغير اتجاه الريح؛ فعاد الشاردون، وثبت المترددون، وأقدم المحجمون، وكانت الدائرة على أعداء الله، وكانت للمسلمين في النهاية.
حدثت معركة عين جالوت، كما حدثت كذلك معركة حطين وفتح بيت المقدس وغيرها، فالإسلام أقوى ما يكون عندما تحيط به الحوادث.
المصلحون والمجددون في الأمة:
ومن سنة الله لهذه الأمة أنَّها لا تجتمع على ضلالة، ولا بدَّ أن يكون فيها من يقول بالحق ويهدي به، ﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ ﴾ ، و«لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرها من خذلها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»(1). ولا زال في كلِّ جيل من يحمل علم النبوة، «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»(2).