ولكن هذا الخوف مشكلة أيضًا، فهناك كثير من الناس يخافون من بعض الأشياء فينكرون ما لا يجوز إنكاره، لأنَّنا لسنا أحرص من رسول الله ﷺ ، الَّذي بعثه الله بهذا الدين، وهو الَّذي أقرَّ شرعية التجديد، وجاء في الحديث الَّذي رواه أبو داود في سننه في كتاب الملاحم، ورواه البيهقي في معرفة السنن والآداب، ورواه الحاكم في مستدركه، ورواه غير واحد، وصحَّحه غير واحد من الأئمة، حديث أبي هُرَيْرة، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «إنَّ الله يبعث لهذه الأُمَّة على رأس كلِّ مائة سنة مَنْ يُجدِّد لها دِينَها»(1).
إذنْ بنصِّ كلام رسول الله ﷺ أصبحت هناك شرعيَّة للتجديد، الدِّين نفسه قابلٌ للتجديد، وإذا أضيف التَّجديد إلى الدِّين أصبح هناك تجديد للفقه، وتجديد للفكر، حتى تجديد لأصول الفقه، كلُّ هذا قابل للتجديد لأنَّ الدين نفسه قابل للتجديد كما ذكر الحديث.
ولكن هل معنى تجديد الدين أن نُخْرج منه طبعة جديدة منقَّحة، ما بين الحين والحين، فنغيِّر من مفاهيمه الأصلية، ونُغيِّر من أصوله وقواعده ومبادئه الثابتة؟ لا، ليس هذا هو المقصود، الدين الَّذي ذكره الحديث هنا هو الدين المنسوب إلى الأُمَّة، «يُجدِّد لها دينها»، أي: فهمها للدين، وإيمانها به، وعملها به، وعملها له، هذا هو التجديد؛ تجديد الفهم، وتجديد الإيمان، وتجديد السلوك، وتجديد العمل، وتجديد الدعوة، هذا هو المقصود بالتجديد.
وهذا التجديد مطلوب طلب استحباب، بل طلب وجوب، هو فرض من فروض الكفاية على الأُمَّة، أنْ تُجدِّد دينها بين الحين والحين، تجدِّد الفهم، وتجدِّد الإيمان، وتجدِّد العمل، ولكن من المهم جدًّا أنْ يُضْبَط مجال التَّجديد.