ولكن القرآن لم يكتفِ بإيجاب إطعام المسكين، وإنَّما أوجب الحض على إطعامه، أي إنَّ في عنق كل إنسان أن يقول للآخرين: لا تنسوا المساكين، حُضوا على إطعامهم. والإطعام كناية عن رعاية الحاجات والضرورات المختلفة. وليس معنى أن تطعمه أن تتركه عاريًا أو مشرَّدًا أو مريضًا، لا بد أن ترعى حاجاته وضروراته، فيجعل من علامات المكذب بالدين ـ بالحساب والجزاء ـ أنَّه لا يحض على طعام المسكين، ورأينا القرآن يصف المجتمع الجاهلي ويقول: ﴿ وَلَا تَحَـٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴾ . كل واحد يعيش لنفسه فقط، ورأينا القرآن يجعل من موجبات النار: ﴿ إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ 33 وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ 34 ﴾ .
مبادئ اقتصادية إسلامية:
من هنا جاء الإسلام من أول يوم بأمرين أساسيين:
الأمر الأول: إيجاب الزكاة، وهو يتعلق برعاية الفئات الضعيفة من المجتمع، الفئات المسحوقة التي لم يكن يهتم بها أحد، ولم تهتم هي بنفسها، لم يقم الفقراء بمسيرة ولا بمظاهرة ليطالبوا بحقوقهم، فما كانوا يشعرون أن لهم حقوقًا عند أصحاب الأموال، ولكن القرآن جاء فقرر هذا الحق منذ فجر الإسلام.
ثم تبلورت هذه الحقوق في ذلك الحق المعلوم الذي هو الزكاة: العبادة الثانية في الإسلام، والدعامة الثالثة من دعائم الإسلام، بعد الشهادتين وإقامة الصلاة تأتي الزكاة، فليست مجرد إحسان أو مجرد تطوع يجود به الغني على الفقير، يقدم له شيئًا من ماله؛ فيُقبِّل يده، ويدعو له بطول العمر! لا، وإنَّما جعلها الإسلام حقًّا مفروضًا عليه أن يبذل هذا، فإذا لم يبذله طوعًا أُخذ منه كرهًا، وإذا لم يبذله كرهًا يُحارب على ذلك بقوة السلاح.
الدولة الإسلامية هي أول دولة في التاريخ تجيش الجيوش، وتشن الحرب لتقاتل من أجل حقوق الفقراء، ولا يخفى على مسلم ما فعله الخليفة الأول؛ حينما جهَّز أحد عشر لواءً تقاتل المرتدين ومانعي الزكاة، وهو الذي قال قولته الشهيرة: والله لو منعوني عَناقًا، أي: عنزة صغيرة ـ وفي رواية: عقالًا ـ كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه(1). هذا هو الأمر الأول: إيجاب الزكاة.