وفي سورة الليل تجد هذين الصنفين المتقابلين: الصنف الشحيح الأناني الذي يعيش لنفسه، ويضن أن يبذل أي شيء لغيره، ﴿ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ 8 وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ 9 فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ 10 وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ 11 ﴾ . والصنف الآخر، ﴿ ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ 18 وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰٓ 19 إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلْأَعْلَىٰ 20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ 21 ﴾ .
وهكذا لو بحثت في هذه السور القصيرة تجد اهتمامًا بالغًا بهذه الناحية، ومن ذلك سورة الماعون: ﴿ أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ 1 فَذَٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ 2 وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ 3 فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ 4 ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ 5 ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ 6 وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ 7 ﴾ .
ولأول مرة تجد البشرية فرضية الحض على طعام المسكين، الإنسان الضعيف الذي لا حول له ولا طول في المجتمع؛ يأتي القرآن فيفرض إطعامه من ناحية، ويجعل ترك إطعامه من موجبات دخول النار، ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ 42 قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ 43 وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ 44 ﴾ ، أضاعوا حق الله وحق الضعفاء من عباده.
فريضة الحض على إطعام المسكين:
ولكن القرآن لم يكتفِ بإيجاب إطعام المسكين، وإنَّما أوجب الحض على إطعامه، أي إنَّ في عنق كل إنسان أن يقول للآخرين: لا تنسوا المساكين، حُضوا على إطعامهم. والإطعام كناية عن رعاية الحاجات والضرورات المختلفة. وليس معنى أن تطعمه أن تتركه عاريًا أو مشرَّدًا أو مريضًا، لا بد أن ترعى حاجاته وضروراته، فيجعل من علامات المكذب بالدين ـ بالحساب والجزاء ـ أنَّه لا يحض على طعام المسكين، ورأينا القرآن يصف المجتمع الجاهلي ويقول: ﴿ وَلَا تَحَـٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴾ . كل واحد يعيش لنفسه فقط، ورأينا القرآن يجعل من موجبات النار: ﴿ إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ 33 وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ 34 ﴾ .