وليس معنى هذا: أنَّ المتعة الجسدية وإشباع الغريزة بمعزل عن أهداف الزواج الشرعي، كلَّا، بل هي هدف أساسي من الأهداف، لحاجة كلا الزوجين جنسيًّا إلى الآخر، بحكم الفطرة، وليستمتعا معًا بالحلال الطيب: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ ، وليتدرَّب الإنسان المؤمن على صرف شهوته فيما يحل له، ويحصِّن نفسه ممَّا يحرم عليه، وبذلك تنضبط الغرائز، ويُكبَح جماح الشهوات، وفي هذا خاطب نبي الإسلام الشباب، فقال: «يا معشرَ الشباب، من استطاع منكم الباءةَ ـ القدرة على الزواج وأعبائه ـ فليتزوجْ، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج»(1).
ولكن المؤمن يريد من الزواج ما هو أكثر من هذا، وهو إنشاء بيت مؤمن، وتكوين أسرة صالحة، تكوّن مع غيرها نواة للمجتمع الصالح، وهذا البيت المؤمن يقوم على أركان ثلاثة، هي: السكن والمودة والرحمة، الَّتي ذكرها القرآن وجعلها من آيات الله، وهي الَّتي تظلِّل الحياة الزوجيَّة المؤمنة: ﴿ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
وليس الزواج في الإسلام مُجَرَّد رباطٍ بين رجل وامرأة، بل هو رباط بين أسرتين بالمصاهرة، تلك الرابطة الَّتي جعلها القرآن قرينًا لرابطة الدم، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُۥ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾ .
بل أكثر من ذلك، ينظر القرآن إلى أنَّ الزواج يسهم في عمارة الكون، وبقاء النوع البشري، حتَّى يقوم بخلافة الله في الأرض وعمرانها إلى ما شاء الله، وذلك عن طريق التناسل الَّذي هو أحد المقاصد الرئيسيَّة للزواج، كما قال تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ ﴾ .
وغريزة حبِّ الخلود في الإنسان تجعله يحرص على طلب الولد؛ ليكون امتدادًا له بعد مماته، ولهذا وجدنا الأنبياء يسألون الله الذُّرِّيَّة، كما سأل إبراهيم 0 ، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ 100 فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ 101 ﴾ .