لا بد أن يُعمِل الإنسان عقلَه في هذه القضية الكبيرة، التي ينبغي أن تقدَّم على كل القضايا، السياسية والاقتصادية، والعلمية والتِّقنية، التي يبحث فيها الناس ويتكلمون، ويُصدرون توصيات وقرارات، وقد لا يستطيعون أن يصلوا فيها إلى شيء يُجمِع عليه الناس، إذا تأخرت الأفكار وتحكَّمت الأهواء، وتصدرت الشهوات، وغلبت المصالح الشخصية أو الحزبية أو الفئوية.
لا بد للناس أن تؤرقهم وتوقظهم وتتعبهم هذه القضية الكبرى، التي يبحث كل إنسان فيها عن هويته، وعن موقعه في هذا الوجود، وخصوصًا بعد أن يُنقض هذا الكيان القائم، وهو الكون، ويأتي كيان آخر: ماذا له فيه؟
مَن لا يؤمنون بأن لهم ربًّا خلقهم، وخلق هذا الكون، ودبَّره لهم، يعتبرون حياتهم عبثًا، ولغطًا لا معنى له، وسوقًا تقوم وتنفضُّ، ولا شيء وراءها!
وإذا بحث الإنسان في قضية «المصير»، فلا بد أن يجرَّه ذلك إلى قضية «المبدأ»، من أين أتيتُ؟ ومَن جاء بي؟ ومَن الذي جاء بهذا العالم الكبير من فوقي ومن تحتي؟ ولماذا هذه المخلوقات الكثيرة من حولي؟ وما المقصود منها؟
وأما أهل الإيمان بالدين وبالله وبالبعث لحياة أخرى، فيقولون: «والله لتموتُنَّ كما تنامون، ولتبعثُن كما تستيقظون، ولتحاسبُن بما تعملون، ولتُجْزَوُنَّ بالإحسان إحسانًا، وبالسوء سوءًا، وإنها لجنة أبدًا، أو لنار أبدًا»(1).
هذا ما يقوله المؤمنون بالدار الآخرة، وأن في الآخرة الجنة والنار، دار الخلود الأبدي، دار الثواب لأهل الدين والخير والصلاح، أو دار العقاب لأهل الكفر والسوء والفساد، ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُۥ 8 ﴾ . وعلى كل ذي دين، وعلى المسلمين خاصة أن يبلِّغوا مضمون ذلك إلى الأمم الأخرى، والملل الأخرى، وإلى من لا ملة لهم.