ورأينا في العصر الحديث: الَّذين يُصَوِّرون الإسلام على غير حقيقته، ويُشَوِّهون صورته لجماهير المجتمعات الغربيَّة، ليُنَفِّروهم منه، وكتب في ذلك من كتب من المستشرقين والسياسيِّين ـ ناهيك بالمُبَشِّرين ـ وغيرهم، وصبُّوا جام حِقْدهم على الإسلام، مِنْ كل مَنْ لا يزال يحمل في إهابه الروح الصَّلِيبيَّة!
ففي الربع الأخير من القرن التاسع عشر تعرض الفيلسوف الفرنسي المعروف «رينان» للإسلام بالنقد العنيف، في محاضرة قريبة في اتِّجاهها من محاضرة البابا، في جامعة «السوربون» في باريس، عن «الإسلام والعلم»، ردَّ عليها السيد جمال الدِّين الأفغاني ردًّا موجَزًا، وردَّ عليها الإمام مُحَمَّد عبده ردًّا أكثر بيانًا وتفصيلًا.
وكان ممَّا قاله رينان في محاضرته: «إنَّ الإسلام لا يُشَجِّع الجهود العلميَّة، بل هو عائق لها، بما فيه من اعتقاد للغيبيَّات، وخوارقِ العادات، وإيمانٍ تامٍّ بالقضاء والقدر».
وقد صوَّر رينان عقيدة التوحيد ـ الَّتي هي جوهر العقيدة الإسلاميَّة ـ بأنَّها تُؤَدِّي إلى حَيْرة المسلم! كما أنَّها تَحُطُّ به ـ باعتباره إنسانًا ـ إلى أسفل الدَّرَك!
والحقيقة أنَّ عقيدة التوحيد هي الَّتي تحرِّر الإنسان من الخوف والذل واليأس والكآبة والقلق، وتضع يد المسلم في يد الله، وتمده بقوَّة خارقة، حين يعلم أنَّ الله معه، وأنَّه قريب منه، وأنَّه يعلم سرَّه ونجواه، وأنَّه حافظه وحاميه، فيشعر بالأمن والسكينة الَّتي لا يشعر بها الجاحدون، ولا الشاكُّون، ولا المشركون، والقرآن يعتبر الشرك انحطاطًا بالإنسان، كما قال تعالى: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ .