والحقيقة أنَّ عقيدة التوحيد هي الَّتي تحرِّر الإنسان من الخوف والذل واليأس والكآبة والقلق، وتضع يد المسلم في يد الله، وتمده بقوَّة خارقة، حين يعلم أنَّ الله معه، وأنَّه قريب منه، وأنَّه يعلم سرَّه ونجواه، وأنَّه حافظه وحاميه، فيشعر بالأمن والسكينة الَّتي لا يشعر بها الجاحدون، ولا الشاكُّون، ولا المشركون، والقرآن يعتبر الشرك انحطاطًا بالإنسان، كما قال تعالى: ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ .
والقول بأنَّ الإسلام يرفع الإلٰه عن الإنسان في علاء لا نهاية له! قولٌ صحيحٌ في ذاته، ولكنَّه لا يُمَثِّل الحقيقة كُلَّها. فإنَّ الله هو الكبير المتعال، والإسلام يُفَرِّق بوضوح بين المخلوق والخالق، وبين الباقي والفاني، وبين المحدود والمُطْلَق، فهو تعالى «فوق عباده» وهو «الربُّ الأعلى» ولكنَّه ـ مع هذا ـ قريبٌ من عباده: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ﴾ ، ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ ، ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾ .
كما فسَّر «رينان» عقيدة القضاء والقدر، بأنَّها تعني الجبر، وسلبه إرادة الإنسان ومسؤوليَّته عن عمله، وهو موضوعٌ طويلُ الذيول، كثير التفاريع، اختلفت فيه الأديان والفلسفات قديمًا وحديثًا، ومن رجع فيه إلى القرآن يجده بوضوحٍ يحمل الإنسان تبعة ما يعمل، يقول القرآن: ﴿ قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا ﴾ ، ﴿ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ ، ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ ، ﴿ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِىٓ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ، ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُۥ 8 ﴾ .
وبعد رينان جاء فرنسي كاثوليكي آخر، ليُسيء إلى الإسلام وأُمَّته وحضارته، بمقالةٍ يكتبها، تنشرها الصحف الفرنسيَّة، ذلكم هو مسيو «هانوتو» المستشرق الفرنسي، ومستشار وزارة الاستعماريَّة الفرنسيَّة. والَّتي ترجمت مقالته ونشرتها صحيفة «المُؤَيَّد»، الَّتي كان يصدرها الصحفي الشهير الشيخ علي يوسف، والَّتي كان لنشرها صدًى واسعٌ في النَّاس، أثار الرأي العام الإسلامي في مصر، وكان ذلك في نهاية القرن التاسع عشر (1900م) الموافق (1317هـ).