وليس أدلُّ على ذلك من نقل عبارته بنصِّها، يقول 5 في مُقَدِّمات «الاعتصام»: «إني ـ ولله الحمد ـ لم أزل ـ منذ فتق للفهم عقلي، ووجه شطر العلم طلبي ـ أنظر في عقليَّاته وشرعيَّاته، وأصوله وفروعه، لم أقتصر منه على علمٍ دون علم، ولا أفردت من أنواعه نوعًا دون آخر، حسَبما اقتضاه الزمان والمكان، وأعطته المنَّة(1)، المخلوقة في أصل فطرتي، بل خضت في لججه خوض المُحْسِن للسباحة، وأقدمت في ميادينه، إقدام الجريء، حتَّى كدت أتلف في بعض أعماقه، أو أنقطع في رفقتي الَّتي بالأنس بها تجاسرت على ما قدر لي، غائبًا عن مقال القائل وعذل العاذل، ومعرضًا عن صدِّ الصادِّ ولوم اللائم، إلى أنْ منَّ عليَّ الربُّ الكريم، الرؤوف الرحيم، فشرح لي من معاني الشريعة ما لم يكن في حسابي، وألقى في نفسي القاصرة: أنَّ كتاب الله وسُنَّة نبيه لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول، ولا أبقيا لغيرهما مجالًا يعتد فيه، وأنَّ الدِّين قد كمل، والسعادة الكبرى فيما وضع، والطلبة فيما شرع، وما سوى ذلك فضلال وبهتان، وإفك وخسران، وأنَّ العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، محصل لكليتي الخير دنيا وأخرى، وما سواهما فأحلام، وخيالات وأوهام. وقام لي على صحَّة ذلك البرهان الَّذي لا شبهة تطرق حول حِماه، ولا ترقى نحو مرماه ﴿ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ .
والحمد لله، والشكر كثيرًا، كما هو أهله»(2) اهـ.
٭ ٭ ٭