إن اللقاء والحوار وتبادل الأفكار يساعدنا على أن يفهم بعضنا بعضًا، ويقترب بعضنا من بعض، ويُزيل الجفوة، ويُنشئ المودة، ويجلو كثيرًا من الغوامض، ويُزيح الكثير من الشبهات، وذلك إذا خلصت النيَّات، وصحت الأهداف، وقويت العزائم، وغُلِّب العقل على الهوى، والحكمة على التهور، والوسط على الشطط.
على أن هنا عاملًا مهمًّا يدعو الأُمَّة كلها بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها: أن تتقارب وتتلاحم وتتضامن فيما بينها، وهو الخطر الداهم الَّذي يهدد الأُمَّة جمعاء، إن لم تقف له بالمرصاد، إنه خطر تجمعت فيه الصهيونية والصليبية والوثنية، رغم ما بين بعضها وبعض من خلافات، ولكن جمعهم العدو المشترك وهو الإسلام، وصدق قول الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۖ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ .
وإذا جاز للأُمَّة ـ وما هو بجائز ـ أن تفترق في أيام الرخاء والعافية، فلا يجوز لها أن تتفرق في أيام الشدَّة والبلاء، فإن الشدائد تجمع المتفرقين، والمحن توحد المختلفين، والأخطار تقرب المتباعدين، ورحم الله أحمد شوقي حين قال: إن المصائب يجمعن المصابين!
لهذا رحبت بدعوة نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الإسلاميَّة الصديق الكريم الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، للمشاركة في «مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة» الَّذي يعقد في مملكة البحرين تحت رعاية ملكية سامية، وكتبت هذه الورقة: «مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلاميَّة»، راجيًا بها أن أُضيء شمعة في طريق التقريب بين الجماعات والطوائف والمدارس الإسلاميَّة، في هذا الوقت العصيب الَّذي تتعرض فيه الأُمَّة لكل أنواع الغزو: الديني، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، والعسكري، ويريد خصومها أن يُغيِّروا هويتها، ويمسخوا شخصيتها، ويجعلوها ذيلًا لهم، وقد جعلها الله رأسًا! وهي أحوج ما تكون إلى وحدة الهدف، ووحدة الصف، وأن تعتصم بحبل جميعًا ولا تفرق. وواجب علماء الأُمَّة ودعاتها ومفكريها ـ وهم عينها الَّتي بها تُبصِر، وعقلها الَّذي به تُفكِّر، ولسانها الَّذي به تُعبِّر ـ أن ينبهوها إلى ذلك، حتَّى لا تُغلَب على أمرها، وتسقط في يد أعدائها، ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم.