والمسؤوليَّة الأولى مسؤوليَّتنا نحن علماءَ الأمة، الَّذين أخذ الله علينا الميثاق أن نُبيِّن للناس الحقَّ ولا نكتمه. ويتأكَّد هذا الواجب إذا رأينا الخطر يتجسَّد أمامنا في حملات مُنَظَّمة، يقوم عليها رجال مُتَحَمِّسون، وليسوا مُجرَّد مُوَظَّفين، وتحت أيديهم مليارات مرصودة لهذا الغرض، ومن خلفهم دولة عقائديَّة قويَّة وغنيَّة؛ تُغذيهم وتَسنُدهم.
لقد قلنا مرارًا وتَكرارًا: نحن الآن في عهدٍ جديد، يُفترض فيه أن نضرب صفحًا عن هذه الصحائف المَيِّتة، الَّتي يجب أن تختفي بظهور تيار «ولاية الفقيه»، وذلك حرصًا منَّا على جمع كلمة الأمة، ووحدة صفِّها في مواجهة التحديات الخارجيَّة.
وإن كنتُ أؤكِّد أنَّني في كلِّ مُلتقياتي الَّتي شاركت فيها في مختلف الأقطار بكلامي وبحوثي، لم أُخْفِ تخوُّفي من وجود بعض الأفكار المُقلقة عن الشِّيعة، حول القرآن، وحول السُّنَّة، وحول الصحابة، وحول أمَّهات المؤمنين، وحول الأقلِّيَّات السُّنِّيَّة في بلاد الشِّيعة، وحول أطماع كثير من الشِّيعة ـ خاصَّة المُتَشَدِّدين ـ في غزو أهل السُّنة، في عُقْر دارهم!
توضيح لا بدَّ منه:
لقد عشتُ تَجْرِبةً طويلة في الدعوة إلى التقريب بين أهل السُّنَّة والجماعة وبين الشِّيعة الإماميَّة الاثني عشريَّة، في محاولة صادقة لتوحيد الأُمَّة الإسلاميَّة، لتنتصر على تمزقاتها العقديَّة والفكريَّة، والدِّينيَّة والسياسيَّة، وتنطلق بما أراد الله تعالى لها في كتابه الخالد المُعْجِز «القرآن الكريم» بقوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ ﴾ ، ﴿ وَإِنَّ هَـٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ ﴾ . فكأنَّما يُشير القرآن إلى أنَّ أُمَّتَنا الواحدة الَّتي أنشأها ربُّنا لتعبدَه وتتَّقيه، لا تصحُّ ولا تستقيمُ إلَّا بالوَحْدة. وقبل ذلك لا بدَّ أن تُبنى الوَحْدة للأُمَّة على التوحيد الخالص: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُوا ٱلطَّـٰغُوتَ ﴾ .