وهذه المعرفة أساس عقائد الإسلام، التي هي أساس البناء الإسلامي، فالإسلام عقيدة وعمل. والعقيدة أصل، والعمل فرع عنها، أو هي بذرة، والعمل ثمرة لها. وبدون العقيدة التي يُعبر عنها القرآن والسنة بـ (الإيمان) لا يُقبل عمل من صاحبه، ولذا قال تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍۭ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا ﴾ ، وقال: ﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَـٰلُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾ .
الله 4 قد خلق الخلق، ليعرفوه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَا، متَّصِفًا بكل كمال، منزَّهًا عن كل نقص، فإذا عرفوه 8 كما ينبغي أن يُعرف، توجَّهوا إليه بالعبادة التي لا يستحقها أحد غيره، ولا يُتقرَّب بها إلا إليه، وحمدوه تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
يقول تعالى في كتابه: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴾ .
فهذا التعليل باللام ﴿ ﰎ ﴾ دليل على أن العلة الغائيَّة من خلق هذا العالم علويه وسفليه، هي معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، التي ذكر منها في هذا المقام: القدرة الشاملة، والعلم المحيط.
وهذه الآية تُغنينا عن الاستدلال بالحديث القدسي الموضوع الذي يُذكر في بعض كتب التصوف: «كنت كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق ليعرفوني»(1). ولا شك أن كلمة (مخفيًّا) غير سليمة لغويًّا(2)، تأباها فصاحة النبي ﷺ .