والمراد بالعِلْم أو المعرفة هنا: العلم المقدور للبشر، واللائق بهم، وليس العلم المحيط بالذات الإلهية وصفاتها، فإن الفانيَ لا يعرف حقيقةَ الباقي، والمحدودَ لا يحيط بغير المحدود، والمخلوقَ لا يمكنه الإحاطةُ بحقيقة الخالق.
وإذا كان الإنسان لم يستطع أن يدرك الكثير من حقائق الكون المادية، وإنما عرف آثارها، مثل: الحياة والكهرباء وغيرها، فكيف بالرب الأعلى والخالق الأعظم 2 ؟ ولهذا قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلْمًا ﴾ .
وهذا ما اعترف به كبار رجال الفِكْر، وأساطين علم الكلام والفلسفة، بعد أن خاضوا هذا البحر العميق، بل غاصوا فيه، حتى أوشك أن يبتلعهم، لولا أن مَنَّ الله عليهم بلطفه فأنجاهم، وأقرُّوا بعجزهم عن الاستمرار فيه.
وعبَّر عن ذلك العلَّامة الشهرستاني بقوله:
لقد طفتُ في تلك المعاهدِ كلِّها
وقلَّبتُ طرفي بينَ تلك المعالمِ
فلم أرَ إلا واضعًا كفَّ حائرٍ
على ذقْنٍ، أو قارعًا سنَّ نادمِ(1)!
توحيد الله تعالى:
والضلالة التي وقع فيها معظم البشر ليست هي جحد وجود الله، بل هي الشرك به سبحانه، فقد عبدوا معه أو من دونه: آلهة أخرى، زعموا أنها تقرِّبُهم إلى الله زلفى، أو أنها تشفع لهم عند الله تعالى.