وقد جاء النص بأنَّ الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله تعالى، لا أحد سواه، فصحَّ أنه ﷺ إنما عَنَى شدَّة القرب، لا فضل الوُسطى على السبابة، إذ لو أراد ذلك لأُخذت نسبة ما بين الأصبعين، ونُسب ذلك من طول الأصبع، فكان يعلم بذلك متى تقوم الساعة، وهذا باطل، وعلى ذلك تكون نسبته ﷺ إيَّانا إلى من قبلنا بأننا كالشعرة في الثور كذبًا، ومعاذ الله من ذلك، فصحَّ أنه ﷺ إنما أراد شدَّة القرب، وله ﷺ منذ بُعِثَ أربعمائة عام ونيِّف ـ في عصر ابن حزم ـ والله تعالى أعلم بما بقي للدنيا.
فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عند ما سَلَف ـ أي: ما مضى من عمر الدنيا إلى زمان ابن حزم ـ لقِلَّته وتفاهته بالإضافة إلى ما مضى، فهو الذي قاله ﷺ من أننا فيمن مضى كالشعرة في الثور أو الرَّقْمة في ذراع الحمار. انتهى كلام ابن حزم»(1).
قال الشيخ رشيد: «وأقول: هذا كلام الأئمة المحقِّقين، فالذين حاولوا تحديد عمر الدنيا، ومعرفة وقت قيام الساعة، إرضاء لشهوة الإتيان بما يهِمُّ جميع الناس؛ لم يشعروا بأنهم يحاولون تكذيب آيات القرآن الكثيرة الناطقة بأن الساعة من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به، وأنها تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون، أي: على غير انتظار من أحد منهم، ولا أدنى علم، وهذا البلاء كله من دسائس رواة الإسرائيليات، وتلبيسهم على المسلمين بإظهار الإسلام والصلاح والتقوى، ومِن وضْع بعض الاصطلاحات العلمية في غير موضعها، ككون كثرة الروايات الضعيفة يقوِّي بعضها بعضًا، فإن هذا إنما يصحُّ في المسائل التي لا يحتمل إرجاعها إلى مصدر واحد يُعنَى بنشرها والدعوة إليها، كمسألة المهدي المنتظر، الذي هو أساس مذهب سياسي كُسِيَ ثوبَ الدين، ألم تر أن رواياته لا تخلو أسانيدها من شيعي، وأن الزنادقة كانوا يبثُّون الدعوة إلى ذلك، تمهيدًا لسلب سلطان العرب، وإعادة مُلْك الفرس؟ وككون كلام الصحابي فيما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، له حكم الحديث المرفوع إلى النبي ﷺ ، ويجب تقييد هذا فيما لا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات، وهو ما أشار إليه العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير في موضوعنا هذا(2).