وأما علماء الكون في هذا العصر فلهم منهج في عمر الأرض الماضي، ومنهج آخر في تاريخ البشر وآثارهم في القرون الخالية: منهجان علميان مبنيَّان على ما عُرف بالحفر من طبقات الأرض، وما كُشِف من آثار أعمال البشر، ومن عظام موتاهم ورفاتهم، وهم يجزمون: أن عُمْر الدنيا الماضي يعدُّ بألوف الألوف من السنين. وقد وُجِدت آثار للبشر فيها منذ مئات الألوف من السنين، وذلك ينقض ما في (سفر التكوين) من أسفار التوراة في المسألتين، ولكنه لا ينقض من القرآن كلمة ولا حرفًا: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ ٱخْتِلَـٰفًا كَثِيرًا ﴾ ، وكذلك أحاديث الرسول القطعية، أو الصحيحة القريبة من القطعية، التي لا شبهة فيها للدسائس الإسرائيلية، ولا للمكايد الفارسية المجوسية»(1).
تأثر السيوطي بقول من قال: إن عمر الأرض سبعة آلاف سنة:
وممن تأثر بمقولة أن عمر الأرض سبعة آلاف سنة: الإمام اللغوي المحدِّث المفسر الحافظ السيوطي، الذي ألف في ذلك كتابًا ـ أو كُتيِّبًا من كتيباته الكثيرة المتعددة والمتنوعة ـ وقد سمَّاه: «الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف»، أبان فيه أن الأمة لن تكمل الألف الثانية، والألف الثانية هذه يُسمِّيها بعضهم الألف المُخَضْرمة؛ لأن نصفها دنيا، ونصفها الآخر آخرة!!
رأيُنا فيما نقله مسلمو أهل الكتاب من تحديد عمر الأرض:
وكما قلنا: فإنَّ كثيرًا من مشايخ المسلمين تأثَّروا بما أشاعه بينهم رجال اليهود، الذين ظنَّهم بعض المسلمين من علماء أهل الكتاب، الذين يعرفون بعض ما قد يخفى على المسلمين، ومن هؤلاء الذين اشتُهروا عند المسلمين، واستسلموا لهم، وأخذوا عنهم كل ما يقولون عن كتبهم: كعب الأحبار، ووهب بن منبِّه، والحقيقة أن ما نقلوه ليس نقلًا حقيقيًّا من كُتُب القوم، بل فيه الكثير من الخرافات والأباطيل، التي تشيع عند المبتدعة والغلاة والمتفلسفة.
وهذا ما يراه العالم المحقِّق في عصرنا فيما نقله كعب الأحبار ووهب بن منبِّه، ونعني بالعالم المحقِّق: الذي يعرف كثيرًا من التوراة وشروحها، وكتب القوم من اليهود والنصارى، ويقارنه بما يقوله هؤلاء من المتحدثين باسم أهل الكتاب، الزاعمين بأنهم العارفون بالتوراة والإنجيل.