وبدأت ظاهرة «التكفير» أو الغلوُّ فيه في المعتقلات، والتفَّت طائفة جُلُّهم من الشباب الحديث السن، الحديث العهد بالدعوة، حول هذا الفكر المتطرف، إلى حدٍّ جعلهم يرفضون الصلاة مع إخوانهم في العقيدة والفكرة، وشركائهم في الاضطهاد والمحنة، وأساتذتهم في الدعوة والحركة.
الدافع الرئيسي إلى هذا الغلو:
ولا يصعب على الدارس أن يلمس سبب هذا التطرف، فهو يكمن في المعاملة الوحشية التي عومل بها السجناء والمعتقلون، والتي لا تتفق مع دين ولا خُلُق ولا قانون ولا إنسانية.
لقد اقتيد هؤلاء الشباب البُرَآء من بيوتهم إلى ساحات التعذيب، وصُبَّ عليهم من ألوان القهر والإذلال والتنكيل ما لا يكاد يتحمَّلُه بشر، لقد تفنَّنوا في إيذاء الأبدان، وإهانة الأنفس، والاستخفاف بالعقول، وتحطيم الشخصية، والاستهانة بالآدمية، إلى حدٍّ يَعْجِز القلمُ عن تصويره، ويتوقَّف العقل في تصوُّره.
ولِمَ هذا كله؟ إنهم في نظر أنفسهم على الأقل: لم يقترفوا ذنبًا إلا أن يقولوا: ربنا الله! لم يقترفوا في حقِّ أحد جُرْمًا، ولم يفكِّروا في نشر شرٍّ، أو منع خير، ولم يجتمعوا على معصية وفجور. كلُّ ما فعلوه أنهم آمنوا بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، التزموا به فكرًا وسلوكًا، واعتبروا الدعوة إليه وإلى تطبيق شرعه واجبًا يأثمون بتركه، والتقصير فيه. فلماذا يُشَرَّدون ويُعذَّبون، ويُنكَّل بهم أشد التنكيل؟
أمور واقعية وراء هذا السلوك التكفيري:
وزاد الطين هنا بِلَّة جملة أمور:
1 ـ أن الفَسقة والفُجَّار والملاحدة واللادينيِّين طلقاء أحرار، لا يحاسبُهم أحد، ولا يعاقبهم أحد؛ بـل وثبـوا على أجهـزة الإعـلام والتوجيه وغيرها يوجِّهونها كما يشاءون إلى الكفر والفسوق والعصيان.