وقد اصطدم فكر هذه الفئة القليلة بفكر الجمهرة العظمى للمعتقلين أو المسجونين من الإخوان المسلمين، وبخاصَّة القُدَامى منهم، الذين تتلمذوا على حسن البنا مؤسس الحركة، وواضع دعائمها الفكرية والتنظيمية الأولى، وقد كان منهجه يتميَّز بالاعتدال والرفْق، وعلى هذا ربَّى أنصارَه وأعوانه، وكان ممَّا أخذه على بعض الجماعات الدينية في مصر: سوء رأي بعضها في بعض، إلى حدٍّ قد يصل إلى التكفير في بعض الأحيان. لهذا نصَّ في الأصول العشرين من رسالة التعاليم ـ وهي الأصول التي يجب أن يُفهم الإسلام في حدودها ـ على هذا الأصل بهذه العبارات الواضحة: «لا نُكفِّر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما برأي أو معصية، إلا إذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسَّره على وجهٍ لا تحتمله أساليب العربية بحال، أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر»(1).
موقف المرشد الثاني للإخوان:
وقد بلغت القضية مرشد الإخوان المسلمين الثاني الرجل الصابر الفقيه القاضي الكبير الأستاذ حسن الهضيبي 5 ، وهو في سجنه، فأنكر هذا الاتجاه، وأعلن مجافاته لخطِّ الجماعة وفكرتها، وبيَّن في وضوح أن مذهب الإخوان في هذه القضية وغيرها هو مذهب أهل السُّنّة، كما قال كلمته الحكيمة المعبِّرة: «نحن دعاة لا قضاة».
وهذه الكلمة الوجيزة التي أصبحت بعد ذلك عنوانًا لكتاب كامل في هذا الموضوع، إنما هي تعبير عن منهج إيجابي عملي يجب أن يتضح للعاملين للإسلام الغيورين عليه: أنهم دعاة لا قضاة.
فرق كبير بين القاضي والداعي:
القاضي يجب أن يبحث عن حقيقة الناس حتى يحكم لهم أو عليهم، ولا بدَّ له من أن يصفهم ويعرف مواقفهم؛ ليقضي لهم بالبراءة أو العقوبة. ثم إن موقف القضاء يجعلنا ننظر للناس على أنهم متَّهمون، والأصل أنهم برآء.
أما الداعي فهو يدعو الجميع، ويُبلِّغ الجميع، ويُعلِّم الجميع، إنه يصدع بكلمة الإسلام ويدعو إليها كلَّ الناس، مَن كان ضالًّا ليهتدي، ومن كان عاصيًا ليتوب، ومن كان جاهلًا ليتعلَّم، وحتى من كان كافرًا ليُسلم.