والداعي لا يعمل على عقوبة المخطئ، بل يعمل على هدايته، ولا يتعقَّب المرتد ليقتله، بل يتتبعه ليردَّه إلى حظيرة الإسلام.
وكان لموقف الإخوان ومرشدهم في مقاومة التكفير أثره في تقليص دائرة المنتمين إلى التطرُّف أو التكفير، وانفضاض الكثيرين من حول دعاته، وإن بقي عدد منهم ممَّن لم ترسخ أقدامهم في الدعوة، ولم تتأصَّل جذورهم فيها، بل يُعَدُّون جُدُدًا عليها، فمعظمهم من الجيل الذي يسمُّونه «جيل الثورة».
وهذا ما وجَّهني إلى التفكير الجِدِّي في تأليف كتاب في الموضوع، نظرًا لشدة خطورته وبُعد أثره، ولكن لم يُقَدَّر لي أن أتمَّ الكتاب، لتزاحم الأعمال المطلوبة مني وتكاثرها، وضرورة القيام بها، فكتبتُ البحث الذي نشرته مجلة «المسلم المعاصر» في عددها التاسع الصادر في شهر يناير «1977م»، أي قبل أن يتفاقم أمر التكفير، ويصل إلى ما وصل إليه من اختطاف الشيخ الذهبي 5 ، بحوالي شهرين. وقد بيَّنت في مقدِّمة البحث خطورة القضية، والأسباب العامة التي أدَّت إلى بروزها، والطريقة التي يجب أن تُعالَج بها، كما وضعت مجموعة من القواعد أو الحقائق الشرعية التي يجب الاحتكام إليها، وهي قواعد موثَّقة بأدلَّتها المحكمة من الكتاب والسُنَّة، مؤيَّدة من علماء الأُمَّة، ورجوتُ أن تكون فيها مَقْنَع لمَن طلب الحقَّ، ولم يمنعه التعصُّب لرأي.
وما أردتُ بها إلا خدمة الإسلام، ومحاولة الأخذ بيد أبنائه المخلصين، حتى لا يضلُّوا الطريق، أو يحطمهم الغلوُّ، وقد حذَّر النبي ﷺ أمَّته من الغلو والتطرُّف، وقال فيما رواه عنه ابن عباس: «إيـاكم والغـلو في الـدين؛ فـإنما أهـلك مَن كـان قبلكـم الغـلوُّ فـي الدين»(1).