وقد وجدتُ مجال القول في الطهارة ذا سعة، على غير ما كنتُ أتوقع، فقد شاع عند كثير من العلماء والمفكرين المسلمين أن «فقه العبادات» نضج حتى احترق، وأنه لم يعد في حاجة إلى اجتهاد ولا تجديد. أجل، شاع هذا وانتشر، حتى أصبح وكأنه حقيقة مسلَّمة، لا تقبل النقاش.
ومن خلال المعايشة لفقه الطهارة تبين أن هذه المقولة غير صحيحة، وأن الفقه كله ـ بما فيه العبادات ـ في حاجة إلى اجتهاد جديد، بعضه اجتهاد إبداعي إنشائي، فيما جَدَّ من موضوعات لم يعرفها السابقون، مثل تطهير «مياه الصرف» بالتنقية، ومثل اختلاف المراحيض العصرية عن المراحيض في الأزمنة الماضية، ومثل حكم «المصحف المسجَّل» بديلا عن المصحف المكتوب، ونحو ذلك.
وبعضه ـ بل أكثره ـ اجتهاد ترجيحي انتقائي، باختيار أحد القولين أو الأقوال من تراثنا الفقهي القديم العريض، الحافل باختلاف الآراء، وتعدد المذاهب والمشارب، ولا بد لنا أن نختار أحد الرأيين أو الآراء، ولا ندع القارئ حائرًا بينها.
هل الكلب نجس أو طاهر؟ وهل الخمر نجسة نجاسة حسية أو معنوية؟ وهل بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر أو نجس؟ وهل استحالة العين النجسة تطهرها أو لا؟
وهل لحم الجزور ناقض للوضوء أو لا؟ وهل لمس المرأة ناقض للوضوء أو لا؟ وهل مس الذكر ناقض للوضوء أو لا؟
وهل يجب على الرجل الغسل إذا جامع ولم ينزل؟ وهل يجوز الاغتسال في الحمَّام العام؟ وهل يجوز التيمم بالرخام والجرانيت؟ وهل يجوز للجنب والحائض دخول المسجد أو لا؟ وهل يجوز لهما قراءة القرآن أو لا؟