ومنهم مَن استند على مبدأ «السببية»، الذي يقرِّر أن كلَّ صنعة لا بدَّ لها من صانع، وكلَّ حادث لا بدَّ له من مُحدِث، وكلَّ حركة لا بد لها من محرِّك، وكلَّ نظام لا بدَّ وأن يكون وراءه منظِّم، وهذا المبدأ ثابت ثبوت الأوليات البديهية في العقول.
ومنهم مَن ناقش المسألة مناقشة حسابية رياضية، فانتهى إلى أن الأضمن لحياته وما بعد حياته: أن يؤمن بالله وبالآخرة والبعث والجزاء. وفي مثل هذا يقول الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرِّي:
قال المنجم والطبيب كلاهما
لا تبعث الأموات، قلت: إليكما
إن صحَّ قولكما فلستُ بخاسر
أو صحَّ قولي فالخسار عليكما(1)
وقال الفيلسوف الرياضي «بسكال»: «إما أن تعتقد أن الله موجود، أو لا تعتقد ذلك، فماذا تختار؟ إن عقلك لعاجز كلَّ العجز أن يختار، وإنها للعبة جارية بينك وبين الطبيعة، رمى فيها كل منكما بسهمه، ولا بدَّ أن يربح أحد السهمين. فوازن بين كلِّ ما يمكن أن تربح، وما يمكن أن تخسر. وإذا راهنتَ بكل ما تملك على ظهور السهم الأول ـ أي على وجود الله ـ فإذا كسبتَ الرهان، فقد حصلت على سعادة أبدية. فإذا أخفقتَ، فسوف لا تفقد شيئًا مهمًّا. فلست تخاطر إلا بشيء فانٍ، وكل غرم فانٍ ـ ولو كان محقق الوقوع ـ متحمَل ومعقول»(2).
ونحن نزيد على هذا، فنقول: إن الذي يؤمن بالله والدار الآخرة لا يخاطر بدنياه الفانية ليربح آخرته الباقية. كلا، إنه بإيمانه يربح الحياتين معًا، ويفوز بالحسنيين في الدنيا والآخرة جميعًا. وصدق الله العظيم: ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ ﴾ ، ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ ٱلْـَٔاخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ .